للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَاب بَيَان قدر رُتْبَة الوزارة فِي الأقدار وَبَعض شُرُوط الِاخْتِيَار

اعْلَم يَا وَلَدي أَن هَذِه الرُّتْبَة لمن فهم وعقل، مُشْتَقَّة من الْوَزير، وَهُوَ الثّقل، لِأَنَّهَا تحمل من عبء الْملك وَثقله مَا تعجز الْجبَال عَن حمله، وَهِي الْآلَة الَّتِي بهَا يعْمل، وبحسب تباينها يتباين مِنْهَا الأنقص والأكمل، وَعَصَاهُ الَّتِي بهَا يهش، ويحتطب ويحش، ويلتقم ويمش، وَيجمع ويفش، ومخلبه الَّذِي بِهِ يزق الفرخ، ويحرس العش ومنجله الَّذِي يعرف بِهِ من يناصح وَمن يغش، ومرآته الَّتِي يرى بهَا محَاسِن وَجهه وعيوبه، وسَمعه الَّذِي يتَوَصَّل بحاسته لمعْرِفَة الْأَشْخَاص المحجوبة. وَإِذا فسد الْملك وَصلح الْوَزير، رُبمَا نَفَعت السياسة واستقام التَّدْبِير، وَصَلَاح الْأَمر بعكس هَذِه الْحَال مَحْسُوب من الْمحَال لِأَن الْوَاسِطَة الْقَرِيبَة، ونكتة السياسة الغريبة، وموقعه من الْملك موقع الْيَدَيْنِ من الْجَسَد، اللَّتَيْنِ فِي الْقَبْض والبسط عَلَيْهِمَا يعْتَمد وَقَالُوا الْملك طَبِيب والرعية مرضى، [والوزير تعرض عَلَيْهِ شكاياتهم عرضا] والنجاح مُرْتَبِط بسداد عقله، وَصِحَّة نَقله، فان اخْتَلَّ السفير بَطل التَّدْبِير. وَإِذا تقرر وجوب الْإِمَامَة ونصبها، وعقدها وعصبها، وَكَانَت ضرورتها إِلَى الوزارة هَذِه هِيَ، ومنزلتها هَذِه الصُّورَة، وَفِي الْوَاجِب شَرط، وَلَا يَسْتَقِيم لَهُ بغَيْرهَا ضبط، كَيفَ لَا يكون قدرهَا خطيرا، ومحلها أثيرا، وَقَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي اصطفاه برسالته وبكلامه، واختصه بخصيصتي الْكَرَامَة مَعَ كَونه مَعْصُوما بعصمة ربه، غَنِيا بدفاعه، متأنسا بِقُرْبِهِ، وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي هَارُون أخي، اشْدُد بِهِ أزري، وأشركه فِي أَمْرِي، دَلِيل على محلهَا من سد الْقَوَاعِد، وإجراء العوايد، وَإِقَامَة الشواهد،

<<  <  ج: ص:  >  >>