للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والغضب بالجملة يفتر ويسكن عن ستة أَصناف من الناس كما قيل: أَحدها الصنف المخوفون، والصنف الثاني المستحى منهم، والصنف الثالث المفراحون من الناس، والرابع الذين يفعلون الاحتقار لا بالاختيار، والخامس أَن يكون قد نزل بهم من الشر ما هو أَعظم من الذي يتشوقه الغاضب عليهم، والسادس أَن يكونوا قد بادوا وهلكوا.

وهذا آخر ما قاله في الغضب وضده.

[القول في الصداقة والمحبة]

قال: فأَما مَنْ الناس الذين يصادِقون ويصادَقون بالطبع وما الأَشياءُ الفاعلة للصداقة فإِنه قد يوقف على ذلك إِذا تقدم أَولا فحُدت الصداقة والمصادقة، فنقول: إِن الصداقة هي أَن يكون الإِنسان يهوى الخير لإِنسان آخر من أَجل ذات ذلك الإِنسان، لا من أَجل ذات نفسه، وأَن تكون له قوة ومَلكة يفعل بها الخير له. والمصادقة هي أَن يكون كل واحد منهما من صاحبه بهذه الحال. وإِذا كان ذلك كذلك، فالصديق بالحقيقة هو الذي يحب ويُحَب معا. وقد يظن أَنه يحتاج هاهنا في الصداقة التامة إِلى شرط ثالث وهو أَن يكون كل واحد منهما مع أَنه يُحب الخير لصاحبه من أَجل ذات صاحبه أَن يعلم كل واحد منهما محبة صاحبه له. وإِذا كان هذا موضوعا لنا في حد الصداقة فبين أَن الصديق هو الذي يستلذ الخير الذي يكون لصديقه، ويشاركه في المؤذيات والمحزنات التي تنزل به ليس من أَجل ذاته لكن من أَجل ذات صديقه. وإِذا كان الصديق بهذه الصفة، فكل واحد من أَصدقائه يفرح به ويسر به. ولذلك كان الناس المشاركون بالطبع في السراءِ والضراءِ محبوبين، وأَما الأَعداءُ فهم بضد هؤلاءِ، أَعني أَنهم تؤذيهم الخيرات الواصلة إِلى أَعدائهم وتلذهم الشرور الواقعة بهم. وإِذا كانت الصداقة يلزمها هذا فبين أَن العلامة التي يوقف منها على أَن المرءَ محب وصديق هي أَن يحزن للشر الواقع بصديقه، وأَن يسر بالخير الواصل إِليه. ومن علامة الصداقة أَيضا المشاركة في الخير والشر. وكذلك من علامتها أَن يكون فعل المرءِ مضادا لفعل العدو في الشيءِ الواحد بعينه إِذا قاس أَحدهما إِلى الآخر، مثل أَن يستعين بإِنسانين فيعينه أَحدهما ويسلمه الآخر؛ فإِن الذي يعينه صديق والذي يسلمه عدو. وإِذ قد تبين أَن الصديق هو الذي يهوى الخير من أَجل ذات صديقه، وأَن هؤلاءِ محبوبون بالطبع، فبين أَن الذين يحسنون إِلى إِنسان ما أَو ناس ما أَو إِلى من هو بسببهم أَنهم محبوبون عند أُولئك الذين أَحسنوا إِليهم، وأَن الإِحسان أَحد فاعلات المحبة. وكذلك الذين يفعلون بآخرين أُموراً عظيمة ذوات كلفة ومشقة بسهولة ونشاط هم أَيضا محبوبون عند الذين يفعلون بهم ذلك، وسواءٌ كان ذلك الأَمر شاقا بإِطلاق أَو كان شاقا في وقت فعله فقط، باشروا ذلك بأَنفسهم أَو لم يباشروا ذلك بأَنفسهم، لكن كانوا هم السبب في إِيصال ذلك الأَمر الجسيم إِليهم.

<<  <   >  >>