للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والخلقق الجميل، لا بالأَشياءِ التي تعود على المشار إِليه بالنافع. ومن خلقهم الظلم، لكن بالمكر والخديعة، لا بركوب الفضائح والاستهتار كالحال في الشباب. وهم رحماء لكنّ رحمتهم من أَجل ضعفهم وتخيل سهولة نزول الشر بهم الذي أَشفقوا منه، لا من أَجل حبهم للناس كالحال في رحمة الشباب. وهم صابرون على الآلام، غير سريع تقلبهم، لأَن الصبر ضد الهزل الذي هو من أَخلاق الفتيان، ومن أَحب الهزل فليس يحب الجد والصبر. لجميل، لا بالأَشياءِ التي تعود على المشار إِليه بالنافع. ومن خلقهم الظلم، لكن بالمكر والخديعة، لا بركوب الفضائح والاستهتار كالحال في الشباب. وهم رحماء لكنّ رحمتهم من أَجل ضعفهم وتخيل سهولة نزول الشر بهم الذي أَشفقوا منه، لا من أَجل حبهم للناس كالحال في رحمة الشباب. وهم صابرون على الآلام، غير سريع تقلبهم، لأَن الصبر ضد الهزل الذي هو من أَخلاق الفتيان، ومن أَحب الهزل فليس يحب الجد والصبر.

فهذا هو القول في أَخلاق الشباب والمشايخ.

[القول في سن الكهول]

قال: وأَما الذين هم في عنفوان العمر، وهم الكهول، فمعلوم أَن أَخلاقهم وسط بين هذه الأَخلاق، وأَنهم مجانبون لإِفراط الطرفين. ولذلك هم أَعدل، فليسوا بمتهورين ولا جبناء، ولكن مقدمين على ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، وبمقدار ما ينبغي، ولا يصدقون بكل شيء، ولا يكذبون بكل شيء، لكن يتصورون الأُمور على كنهها، ويصدقون بها التصديق التابع لطباعها. وليس عيشهم ولا طلبهم موجه نحو الحسن فقط، ولا نحو النافع فقط، لكن نحو الأَمرين جميعا. ولا هم أَيضا أَهل جد محض، ولا مجون محض، لكن بين ذلك. وكذلك هم في الشهوة والشجاعة، أَعني أَنهم أَعفاء مع شجاعة. والغلمان شجعان شهوانيون والشيوخ جبناء أَعفاء. وجملة القول إِنه قد يحصل لهم الجزءُ النافع من خلق خلق، دون الجزء الضار الموجود في الأَطراف المذمومة الحاصل للشيوخ وللشباب بالطبع. وذلك القدر هو المتوسط. وعلى حسب زيادة أَحد الطرفين في خلق الكهل على الآخر يكون ميله إِلى الشر أَو إِلى الخير، أَعني إِلى الطرف المذموم أَو المحمود. وذلك أَيضا يختلف بحسب الذي يستعمل معه الخلق، قرب حالة تكون زيادة الشجاعة فيها وقربها من التهور آثر من توسط الأَمر في ذلك في حالة أُخرى. فقد يزاد في الشر إِذا احتيج إِلى استعماله مع قوم ما، ويزاد في الخير إِذا احتيج إِلى استعماله مع قوم آخرين.

وسن الكهولة هو من خمس وثلاثين إِلى خمسين سنة.

فهذا هو القول في خُلق الأَحداث والشيوخ والكهول.

[فصل]

ولما كان الكلام الخطبي إِنما يكون أَتم فعلا وأَكثر إِقناعا إِذا رأى المخاطب به أَنه لم يبق فيه موضع فحص ولا تأَمل ولا معارضة إِلا وقد أَتى بها فتزيفت، كان واجبا أَن يكون هنالك فاحص عن القول، ومعارض له غير المتكلم، وهذا إِنما يتم بمناظر وحاكم. أَما فعل المناظر فهو التشكيك على القول المقنع والإِبطال له. وأَما فعل الحاكم فتمييز حجة كل واحد من الفريقين، أَعني المتكلم والمناظر، على مثال ما يوجد الأَمر في الخصومات في المدن. لكن إِذا أُريد أَن يكون القول تام الإِقناع، فواجب أَن يوضع حاكم ومناظر في جميع أَجناس الأَقاويل الخطبية، أَعني المشاورية والمشاجرية والمنافرية.

والفرق بين الحاكم والمناظر أَن الحاكم هو أَعلى من المناظر، ولذلك لا يكلف بالدليل على ما حكم به. وأَما المناظر فهو مساوٍ للمتكلم ولذلك لا يكتفى منه برد القول دون أَن يأتى على ذلك بدليل. وربما اكتفى في بعض المدن في الأَقاويل الخصومية بقول الحاكم دون قول المتكلم والمناظر، على ما عليه الأَمر في ملة الإِسلام، فإِنهم إِنما يستعملون في الخصومات قول الحاكم مع الأَشياءِ التي من خارج مثل الشهادات والأَيمان.

والفرق بين الشاهد والحاكم أَن الشاهد يشهد بصدق النتيجة، والحاكم يشهد بصدق القياس المنتج لها، والمناظر يناظر على إِبطالهما. وأَكثر الأَقاويل الخلقية والانفعالية إِنما يستعمل مع الحكام.

فصل

<<  <   >  >>