للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإما الدرة اليتيمة فقد أتى بها هشام بن عبد الملك وعنده امرأته عبدة بن عبد الله ابن يزيد بن معاوية وكانت مفرطة السمن لم تكن تستغني في الحركة عن معونة نفر فقال لها هشام - ان قمت بنفسك من غير استعانة بأحد فلك هذه الدرة - فزاولت القيام بشدجة ومشقة وما تم نهوضها حتى خرت على وجهها وسال الدم من انفها - فغسلها هشام وأعطاها الدرة وكانت كما يقال ثلاثة مثاقيل جائزة جميع محاسن الصفات ومدحرجة نقية رائعة رطبة من كثرة الماء - وقال نصر كانت خايديسة وزنها مثقالان ونصف وثلث واشتريت بسبعين ألف دينار فلما انقضت دولة بنى امية وانتدب عبد الله بن علي ليبيع ودائع مروان بن محمد غمز إليه بأن عند عبدة الدرة اليتيمة وقرطان بقيا لها فأحضرها وطالبها بذلك فأجابته بانى ان دفعت إليك ما تريده فهل تريد منى شيئا غيره - قال لا - فسلمت ذلك أليه وكانت حملته مع نفسها - فقال لها، اختاري إليك موضعا احسن إليك فيه - فسمت موضعا بالشام وسيرها أليه - ثم خاف ان يطلع السفاح على ذلك ويستخبرها فأتبعها عبدا كابليا حتى عدل بها عن الطريق وذبحها ذبحا - ومن طرائف الصوفية انهم قالوا في تفاسير القرآن في قوله تعالى (ألم يَجدْك يتيما فآوى) انه تشبيه اياه بالدرة التى لم يوجد مثلها كما انه عليه السلام خيرة الخلق وان لا يكون نبي بعده - وحكى عن ابن الجصاص انه قومها في أيام المقتدر بمائة وعشرين الف دينار وقال لو لم تكن فريدة لقومتها بخمسمائة ألف دينار - وقال البحترى -

يدُلك عندي قد أبرّ ضياؤها ... على الشمس حتى كاد يخبو سراجها

فان تتبع النعمى بنعمى فإنما ... يزين اللإلى في النظام ازدواجها

ويقال اليتيمة اليوم في ايدى القرامطة بالأحساء - وهذا أبو عبد الله الحسين ابن احمد ابن الجصاص جمع غايات أحدها البصر بالجواهر فقد كان باقعة فيها مقرور له بالتقدم على نظرائه والاخرى اليسار وكان يقال له لذلك قترون الأمة - وكتب ابن المنجم إلى القاضي علي بن عبد العزيز قصيدة منها -

يا ابن عبد العزيز ما كل ذى ما ... ل بمجد على ذوى الإمال

هات كابن الجصاص حالا ولكن ... هات لى كابن برمك في نوال

فقد نكب واخذ منه قرار عشر الاف ألف دينار - وكانت ام المقتدر تعتني به فلما أطلق من معتقله اجتاز على مائة حمل من الخيوش حملت من داره إلى دار السلطان فطلبها من ام المقتدر فأطلقتها له وكانت حملت من مصر وفي كل عدل الف دينار فحصلها للوقت ولفاقتها ربح - وكانت له جواهر منقاة في درج وكان إذا ضاق صدره طلبها في حجره لينجلي عنه همه وكانت كذلك وهو جالس على شفير حوض بستانه إذ فاجأه القبض فقام ونثرها وسط الرياحين ولما خرج من المحنة ودخل بستانه وقد جف رطبه وذلت رياحينه ويبست بقوله وهو آنس عن ذلك الجوهر فنظر إلى تلك الديرة وإذا الجواهر فيها برمتها لم تمتد إليها يد ولا غشيها منقاد ولا أختلسه فأر فالتقطها وقوى بها ظهره المنقض - والثالثة الحماقة اذ كان إليها من السابقين - وحدث أبو بكر الصولى عن عبد الله ابن سليمان ان المعتضد بالله كان يقول عجائب الدنيا ثلاث اثنان مفقودان لا يوجد لهما غير الاسم وهما عنقاء مغرب والكبريت الأحمر وواحد اعجب منهما وهو موجود وذلك ابن الجصاص اجهل الناس إلا في الجوهر وذلك من آيات الله تعالى بل واعجب منه تردده مع تلك الحمارية بين المعتضد وخمارويه في عقد الوصلة وحمل الوديعة اليه وقد عرفه حق المعرفة - وحكى عن ابن الجصاص أن أنسانا عزاه عن ولد له مات وقال له، اصبر ولا تجزع لتنال الاجر - فأجابه، بانا قوم لم نتعود الموت - وذكر الصولى ان المعتصم لما فرغ من بناء قصر العباسة عقد مجلسا رائعا عقد فيه امره وجمع فيه اهل بيته وتتوج بالتاج الذي فيه الدرة اليتيمية فأستأذن إسحاق الموصلي في الإنشاد فأنشد وفال -

يا دار غيرّك البلاء فمحاكِ ... يا ليت شعري ما الذي ابلاك

فتطير المعتصم من ذلك وتغامز الحاضرين متغامزين متعجبين كيف ذهب عليه هذا مع طول صحبته للخلفاء والملوك - وصح التطير بخروج المعتصم إلى سرّ من رأى فانه لم يعد إلى ذلك القصر وخرب فلم يجتمع ممن حضر ذلك المجلس أحد بعده اثنان

<<  <   >  >>