للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا أَبهَمَ الله. قلت: وَقد رأيتُ كثيرا من أهل العِلم يذهَبون بِمَعْنى قَوْله: أَبهِموا مَا أبهمَ الله، إِلَى إِبْهَام الْأَمر واشتباهِه، وَهُوَ إشكاله واشتباهه، وَهُوَ غَلَط.

وكثيرٌ من ذَوِي الْمعرفَة لَا يميّزون بَين المُبْهَم وغيرِ المُبهم تمييزاً مُقنِعاً شافياً وَأَنا أُبيّنه لَك بعون الله وتوفيقه؛ فقولُه جلّ وعزّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الَاْخِ وَبَنَاتُ الاُْخْتِ} (النِّساء: ٢٣) هَذَا كلُّه يسمَّى التَّحْرِيم المُبهم، لِأَنَّهُ لَا يحِلّ بوجهٍ من الْوُجُوه وَلَا سببٍ من الْأَسْبَاب، كالبهيم من ألوان الْخَيل الَّذِي لَا شِيَةَ فِيهِ تُخالفُ معظمَ لَونه.

ولمّا سُئل ابنُ عَبَّاس عَن قَوْله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} (النِّساء: ٢٣) ، وَلم يبيِّن الله الدُّخولَ بهنَّ؟ أجَاب فَقَالَ: هَذَا من مُبهَم التحريمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غير التَّحْرِيم سواءٌ دخَلتم بنسائكم أَو لمْ تدْخلُوا بهنّ؛ فأُمَّهاتُ نِسَائِكُم مُحرّمات من جَمِيع الْجِهَات.

وَأما قَوْله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللَّاتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (النِّساء: ٢٣) فالرّبائب هَاهُنَا لسن من المبهمَة، لأنّ لهنَّ وَجْهين مُبَيَّنين أُحْلِلْنَ فِي أَحدهمَا وحُرِّمْن فِي الآخر، فَإِذا دُخِل بأمَّهات الرّبائب حَرُمَتْ الرَّبائب، وَإِن لمْ يُدْخَل بأمَّهات الرّبائب لم يَحرُمْنَ، فَهَذَا تفسيرُ المُبهَم الَّذِي أَرَادَ ابنُ عَبَّاس، فافهمْه.

أَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنشَدَه:

أَعْيَيْتَنِي كلَّ العَيا

ءِ فَلَا أَغَرُّ وَلَا بَهِيمُ

قَالَ: يُضرَب مَثَلاً لِلْأَمْرِ إِذا أَشكل وَلم تَتّضِح جِهَتُه واستقامتُه ومعرفتُه، وَأنْشد فِي مثله:

تفرّقتِ المَخاضُ على يَسارٍ

فَمَا يَدرِي: أيُخْثِر أمْ يُذِيبُ

وَقَالَ اللَّيْث: بابٌ مُبهَم: لَا يُهتَدَى لفتحه إِذا أُغْلِق، وليلٌ بَهيم: لَا ضوءَ فِيهِ إِلَى الصّباح.

وَقَالَ ابْن عَرَفة: البَهِيمة: مُسْتَبْهِمَةٌ عَن الْكَلَام، أَي مُنْغَلِقٌ ذَاك عَنْهَا؛ وَيُقَال: أبهمتُ الْبَاب، إِذا سَدَدْتَه.

وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الَاْنْعَامِ} (المَائدة: ١) يَعْنِي الْأزْوَاج الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْأَنْعَام، وَإِنَّمَا قيل لَهَا بَهِيمَة الْأَنْعَام لأنّ كلّ حيّ لَا يُميِّز فَهُوَ بَهِيمة، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: بَهِيمَة لِأَنَّهُ أُبهِم عَن أَن يميِّز.

قَالَ: وَقيل للإبهام الإصبع: إبهامٌ؛ لِأَنَّهَا تُبْهِمُ الكَفّ: أَي تُطبِق عَلَيْهَا.

قَالَ: وَطَرِيق مُبْهَم: إِذا كَانَ خفيّاً لَا تستبين. وَيُقَال: ضرَبَه فَوَقع مُبْهماً: أَي مغشيّاً عَلَيْهِ لَا يَنطِق وَلَا يميِّز.

وَقَالَ اللَّيْث: البَهْمة: اسمٌ للذّكر وَالْأُنْثَى من أَوْلَاد بَقَر الوَحش وَالْغنم والماعِز، والجميع البَهْم والبِهَام، والبَهْم أَيْضا: صِغارُ الغَنَم.

وَقَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال لأَوْلَاد الْغنم ساعةَ تَضعُها من الضَّأْن والمَعْز جَمِيعًا ذكرا أَو

<<  <  ج: ص:  >  >>