للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعقبته. وَيَقُول الرجلُ لزميله: أعقِبْ وعاقِبْ، أَي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي. وَكَذَلِكَ كلُّ عمل.

وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرّعد: ١١) قَالَ الْفراء: المعقِّبات: الملائكةُ ملائكةُ اللَّيْل تعقِّب مَلَائِكَة النَّهَار.

قلت: جعل الفراءُ عقَّبَ بِمَعْنى عاقب، كَمَا يُقَال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بِمَعْنى وَاحِد، فكأنَّ مَلَائِكَة النَّهَار تحفظ العبادَ فَإِذا جَاءَ الليلُ جَاءَ مَعَه ملائكةُ اللَّيْل وصَعِد ملائكةُ النَّهَار، فَإِذا أقبلَ النَّهَار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ اللَّيْل، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَباً أَي نُوَباً.

وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: كلُّ مَن عمِل عملا ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فقد عقَّب؛ وَمِنْه قيل للَّذي يَغْزُو غزْواً بعد غَزْوٍ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فَيَعُود إِلَى غَرِيمه فِي تقاضيه: مُعَقِّب. وَقَالَ لبيد:

حتَّى تهجَّرَ فِي الرَّواحِ وهاجَه

طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ

وَقَالَ سَلامَة بن جندل:

إِذا لم يُصِبْ فِي أوّل الغَزْو عَقَّبا

أَي غزا غَزْوَة أُخْرَى.

قَالَ: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (معَقِّباتٌ لَا يَخِيب قائلُهنّ، وَهُوَ أَن يسبّح فِي دُبر صلَاته ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَة، ويكبّر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة، ويحمِّد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَة) . فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عَادَتْ مرّةً بعد مرّة.

وَقَالَ شمر: أَرَادَ بقوله: معقِّبات لَا يخيب قائلهن: تسبيحات تَخْلُف بأعقاب النَّاس. قَالَ: والمُعقِّب من كل شَيْء: مَا خَلَفَ يُعقِّب مَا قبله. وَأنْشد:

ولكنْ فَتى من صَالح الْقَوْم عقّبا

يَقُول: عُمِّر بعدهمْ وبقيَ. وَيُقَال عقَّب فِي الشَّيب بأخلاق حَسَنَة.

وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} (الرّعد: ١١) : إنَّما أنثت لِكَثْرَة ذَلِك مِنْهَا نَحْو نسّابة وعلاّمة؛ وَهُوَ ذكَر.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْفراء: مَلَائِكَة مُعَقِّبةٌ، ومعقِّبات جمع الْجمع.

وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول لبيد:

طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ

قَالَ: المعقِّب: الْغَرِيم الماطل فِي قَول لبيد. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي أُغِير عَلَيْهِ فحُرِبَ فَأَغَارَ على الَّذِي كَانَ أغارَ عَلَيْهِ فاسترجعَ مالَه.

وَأما قَوْله عزّ وجلّ: {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} (الرّعد: ٤١) فإنَّ الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ لَا رادَّ لحكمه. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي يكُرُّ على الشَّيْء؛ وَلَا يكرُّ أحدٌ على مَا أحكمه الله.

وروى شمر عَن عبد الصَّمد عَن سُفْيَان أَنه قَالَ فِي قَول الله: {مُدْبِراً وَلَمْ} (النَّمل: ١٠) : لم يلْتَفت. وَقَالَ مُجَاهِد: لم يرجع. قَالَ شمر: وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ. وَقَالَ الطرمّاح:

وَإِن تونَّى التّالياتُ عقَّبا

أَي رجَع.

وَأَخْبرنِي المنذرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن

<<  <  ج: ص:  >  >>