للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتبينون أنَّ القَدَر لأَنْفُسِهِمْ، وَلذَلِك سُمُّوا قَدَريَّة.

وقولُ أهل السّنّة: أنّ علم الله قد سَبقّ فِي البَشر وغيرِهم، فعلِمَ كُفرَ من كَفَر مِنْهُم، كَمَا عَلم إيمانَ مَن آمن، فأثبتَ عِلمَه السَّابِق فِي الْخَلق وكتَبَه، وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق لَهُ وكُتِب عَلَيْهِ.

وَقَالَ اللَّيْث: المِقدار اسْم القَدَرِ، إِذا بلغ العبدُ المقدارَ مَاتَ، وَأنْشد:

لَو كَانَ خَلفَك أَو أمامَكَ هائباً

بَشَراً سِواكَ لَهابكَ المِقدارُ

يَعْنِي الْمَوْت.

وَيُقَال: إنَّما الْأَشْيَاء مقَاديرُ، لكلِّ شيءٍ مقدارٌ وَأجل.

والمقدار: هُوَ الهِنْداز.

تَقول: يَنْزل الْمَطَر بمقدارٍ، أَي: بقَدَر وقَدْر، وَهُوَ مبلغ الشَّيْء.

وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} (الْبَقَرَة: ٢٣٦) ، وقرىء قدَرُه وقَدْرُه بِالرَّفْع، وَلَو نصبَ كَانَ صَوَابا على تَكْرِير الْفِعْل فِي النيّة، أَي: ليُعْط الموسعُ قَدَرَه والمُقْتِرُ قَدَرَه.

وَقَالَ الْأَخْفَش: على الموسع قَدَرُه، أَي: طاقته.

وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس فِي قَوْله: (على المقتر قدَرُه) و (قَدْرُه) .

قَالَ: الثقيل أَعلَى اللغتين وَأكْثر، وَلذَلِك اختير. قَالَ: وَاخْتَارَ الْأَخْفَش التسكين، وإنّما اخترنا التثقيل لأنّه اسْم.

وَقَالَ الكسائيّ: يقْرَأ بِالتَّخْفِيفِ والتثقيل، وكلٌّ صَوَاب، قَالَ: قَدَر يَقدِر مقدِرة ومَقدَرةً ومَقدُرة وقَدَراناً وقِداراً وقُدرةً، كلُّ هَذَا سمعناه من الْعَرَب.

قَالَ: ويَقْدُر لُغَة أُخْرَى لقوم يضمّون الدَّال فِيهَا. فأمَّا قدرتُ الشيءَ فَأَنا أقدِره خَفِيف فَلم أسمعهُ إلاّ مكسوراً.

قَالَ: وَقَوله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (الْحَج ٧٤) خَفِيف، وَلَو ثُقِّل كَانَ صَوَابا، وَقَوله: {) سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (الْقَمَر: ٤٩) مثقَل، وَقَوله: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (الرَّعْد: ١٧) مثقَّل وَلَو خفّف كَانَ صَوَابا، وَأنْشد:

وَمَا صَبَّ رِجْلي فِي حديدِ مُجاشِعٍ

مَعَ القَدْر إلاّ حاجةٌ لي أُريدُها

وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، أَي: مَا وصفوه حقَّ وَصفه.

وَقَالَ الزّجاج: جَاءَ فِي التَّفْسِير: مَا عظموه حقَّ عَظمته. قَالَ: والقَدْر والقَدَر هَا هُنَا بِمَعْنى وَاحِد.

وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الْأَنْبِيَاء: ٨٧) .

قَالَ: الْمَعْنى: فظنَّ أَن لن نقدر عَلَيْهِ من

<<  <  ج: ص:  >  >>