للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن النَّاشِدَ هُوَ الطَّالب، حديثُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَمِع رجُلاً يَنْشُدُ ضالَّته فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: (أيُّها النَّاشِدُ، غَيْرُكَ الْوَاجِدُ) .

قلت: وإنَّما قيل للطَّالب ناشِدٌ لِرَفْعِه صَوْتَهُ بالطَّلَب، والنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْت، وَكَذَلِكَ المُعَرِّف يرفعُ صوتُه بالتعريفِ فَسُمِّي مُنْشِداً، وَمن هَذَا إنشاد الشِّعْر، إِنَّمَا هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ.

وَقَول العَرب: نَشَدْتُكَ باللَّهِ والرَّحِمِ، مَعْنَاهُ: طلبت إليكَ بِاللَّه وبحقِّ الرَّحْم.

وأخبَرَني المنذريُّ، عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: نشدْتك بِاللَّه، قَالَ: النشيدُ الصَّوْت، أَي سأَلْتُك باللَّهِ بِرَفْعِ نشيدي، أَي صَوْتِي بِطَلبِهَا، قَالَ: وَمِنْه نشدَ الشِّعْرَ، وأنشده، إِذا رَفَعَه.

وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْكسَائي: نَشدْتُ الدَّابَّةَ طَلبَتها، وأَنْشَدْتها عَرَّفْتها، قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: نَشَدْتُها، إِذا عَرَّفْتَها.

وَقَالَ أَبُو دُواد:

ويَصيخُ أَحْياناً كَمَا اس

تَمَعَ المُضِلُّ لصوتِ ناشِدْ

قَالَ: وَيُقَال للناشد إنّه المعَرِّف.

وَقَالَ شَمِر: رُوِي عَن المُفَضّل الضَّبِّيّ أَنه قَالَ: زَعَمُوا أنَّ امرأَة قَالَت لابنَتِها: احْفَظِي بَيْتَكِ مِمَّن لَا تَنْشُدِين، أَي ممَّن لَا تَعْرِفين.

وَأما معنى قولُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لُقَطَةِ مَكةَ: (وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُها إِلَّا لمُنْشِد) ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَرَّقَ بقوله هَذَا، بَين لُقَطَةِ الْحَرَمِ، وَبَين لُقَطَةِ سَائِر البُلدان؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الحُكم فِي لُقطَةِ سائِر الْبِلَاد أَنَّ مُلْتقِطَها إِذا عَرَّفَها سَنةً حَلَّ لَهُ الانْتفاعُ بهَا، وجَعَلَ لُقَطَة الحَرَمِ مَحْظُوراً على مُلْتَقطها الانْتِفَاعُ بهَا وَإِن طَال تعْرِيفُه لَهَا، وحَكَم أنَّهُ لَا يحِلُّ لأحَدٍ الْتَقَاطُها إِلَّا بنيّة تَعْرِيفهَا مَا عَاشَ، فأَمَّا أَن يأْخُذَها من مَكَانهَا وَهُوَ يَنْوي تَعْرِيفهَا سنة ثمَّ يَنْتَفِعُ بهَا كَمَا ينْتَفع بِسَائِر لْقَطَةِ الأَرْض فَلَا. وَهَذَا معنى مَا فسره عبد الرحمان بن مهْدي، وَأَبُو عُبيد، وأَهْل الْآثَار.

وأمل قَول أبي دُوَاد فَإِن أَبَا عُبَيد ذكر عَن الأصمعيّ، أَنَّ أَبا عَمرو بن الْعَلَاء كَانَ يَعْجَبُ من قَوْله:

كَمَا اسْتَمَعَ المُضِلُّ لِقوْل نَاشِدْ

قَالَ: وأَحْسِبُه قَالَ هُو أَو غَيره أَنه قَالَ: أَرَادَ بالنّاشد أَيْضا رجلا قد ضَلَّتْ دابَّته، فَهُوَ يَنْشُدُها أَي يَطلُبُها لَيَتَعزَّى بذلك.

قلت: وَأما ابنْ المظفر فَإِنَّهُ جعل النّاشد: المُعَرِّف فِي هَذَا الْبَيْت، قَالَ: وَهَذَا من عَجِيبِ كَلَامهم أَن يكون النَّاشدُ: الطّالِبُ والمُعَرِّفُ.

قَالَ: والنَّشيد: الشِّعْرُ المَتناشَدُ بَين الْقَوم، يُنْشِدُ بَعضهم بَعْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>