للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وَهُوَ كَقَوْلِك: لمّا غَاب قُمْت.

الْكسَائي: (لما) تكون جحداً فِي مَكَان، وَتَكون انتظاراً لشَيْء متوقَّع فِي مَكَان، وَتَكون بِمَعْنى (إِلَّا) فِي مَكَان.

تَقول: بِاللَّه لمّا قُمْت عنَّا، بِمَعْنى: إلاّ قُمْت عنَّا.

وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: ١١١) . فَإِنَّهُ قُرئت مخفّفة ومُشدَّدة.

فَمن خَففها جَعل (مَا) صلَة، الْمَعْنى: وَإِن كُلاًّ ليوفينّهم ربّك أعمالَهم.

وَاللَّام فِي (لما) لَام (أَن) و (مَا) زَائِدَة مُؤَكدَة، لم تُغَيِّرالمعنى وَلَا العَمل.

وَقَالَ الْفراء فِي (لما) هَا هُنَا بِالتَّخْفِيفِ قولا آخر، جعل (مَا) اسْما للنَّاس، كَمَا جَازَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاء: ٣) . وَالْمعْنَى: من طَابَ لكم. وَالْمعْنَى: وَإِن كلاّ لما، أَي لمن ليوفِّينهم.

وأمّا اللَّام الَّتِي فِي قَوْله: (ليوفِّينهم) فَإِنَّهَا لامٌ دَخَلت على نِيَّة يَمينٍ فِيمَا بَين (مَا) وَبَين صلتها، كَمَا تَقول:

هَذَا مَن لَيَذْهَبنّ، وَعِنْدِي مَن لَغَيْرُه خَيْرٌ مِنْهُ.

وَمثله قَوْله عز وَجل: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} (النِّسَاء: ٧٢) .

وَأما من شدّد (لمّا) فِي قَوْله: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: ١١١) .

فَإِن الزّجاج جعل (لمّا) بِمَعْنى (إلاّ) .

وَأما الْفراء فَإِنَّهُ زعم أَن مَعْنَاهُ: لمَنْ مَا، ثمَّ قُلبت النُّون ميماً، فاجْتمعت ثَلَاث ميمات، فَحُذفت إِحْدَاهُنَّ، وَهِي الْوُسْطَى، فَبَقيت (لما) .

قَالَ: وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن (من) لَا يجوز حذفهَا، لِأَنَّهَا اسمٌ على حَرْفين.

قَالَ: وَزعم الْمَازِني أَن (لمّا) أَصْلهَا (لما) خَفِيفَة ثمَّ شدِّدت الْمِيم.

قَالَ الزّجاج: وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء أَيْضا، لِأَن الْحُرُوف نَحْو (ربّ) وَمَا أَشْبهها يُخفّف، وَلَا يُثقَّل مَا كَانَ خَفِيفا، فَهَذَا منتقض.

قَالَ: وَهَذَا جَمِيع مَا قيل فِي (لمّا) مشدّدة.

وَأما (لم) فَإِنَّهُ لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل الغابر، وَهِي تجزمه، كَقَوْلِك: لم يَسْمَع.

اللَّيْث: (لم) عَزِيمَة فِعْل قد مَضى، فَلَمَّا جُعل الفِعل مَعهَا على جِهَة الفِعل الغابر جُزم، وَذَلِكَ قَوْلك: لم يَخْرج زيدٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا خَرج زيدٌ، فاستقبحوا هَذَا اللّفظ فِي الْكَلَام، فحملوا الْفِعْل على بِنَاء الغابر، فَإِذا أُعيدت (لَا) و (لَا) مَرَّتين أَو أَكثر حَسُن حِينَئِذٍ، لقَوْل الله عز وجلّ: {الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (الْقِيَامَة: ٣١) أَي: لم يُصدق وَلم يُصَلِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>