للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب تَشْبِيه الرجل بِأَبِيهِ: الْعَصَا من العُصَيّة. قَالَ أَبُو عبيد هَكَذَا قَالَ، وَأَنا أَحْسبهُ العُصَيَّة من الْعَصَا، إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ أَن الشَّيْء الْجَلِيل إِنَّمَا يكون فِي بدئه صَغِيرا، كَمَا قَالُوا: إِن القَرْم من الأفيل. فَيجوز على هَذَا الْمَعْنى أَن يُقَال: الْعَصَا من العُصَيَّة.

وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَصَا تُضرب مثلا للاجتماع، وَيضْرب انشقاقها مثلا للافتراق الَّذِي لَا يكون بعده اجْتِمَاع. وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُدْعى عَصا إِذا تشقّقت.

وَأنْشد:

فللَّه شَعْبَا طِيّةٍ صدعا الْعَصَا

هِيَ الْيَوْم شتَّى وَهِي أمسِ جَمِيع

قَوْله: فللَّه لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَنَّهَا لَام التَّعَجُّب، تَعَجَّب مِمَّا كَانَا فِيهِ من الأُنْس واجتماع الشمل، وَالثَّانِي أَن ذَلِك مُصِيبَة موجِعة فَقَالَ: لله ذَلِك يفعل مَا يَشَاء، وَلَا حِيلَة فِيهِ للعباد إلاّ التَّسْلِيم كالاسترجاع.

وَيُقَال: قرع فلَان فلَانا بعصا الْمَلَامَة إِذا بَالغ فِي عَذْله. وَلذَلِك قيل للتوبيخ: تقريع.

وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلَان يُصَلِّي عَصا فلَان أَي يدبّر أمره ويليه. وَأنْشد:

وَمَا صَلَّى عصاك كمستديم

قلت: وَالْأَصْل فِي تصلية الْعَصَا أَنَّهَا إِذا اعوجّت ألزمها مقوّمها حَرّ النَّار حَتَّى تلين لَهُ وتجيب التثقيف.

يُقَال: صلّيت الْعَصَا النارَ إِذا ألزمتها حَرَّها حَتَّى تلين لغامزها. وتفاريق الْعَصَا عِنْد الْعَرَب أَن الْعَصَا إِذا انْكَسَرت جُعلت أشِظَّة، ثمَّ تجْعَل الأشِظَّة أوتاداً، ثمَّ تجْعَل الْأَوْتَاد توادِيَ للصِرار.

يُقَال: هُوَ خير من تفاريق الْعَصَا وَكَانَت الْعَصَا لجَذِيمة الأبرش، وَهِي اسْم فرس كَانَت من سوابق خيل الْعَرَب. وَيُقَال للعصا: عصاة بِالْهَاءِ. يُقَال أخذت عصاته وَمِنْهُم من كره هَذِه اللُّغَة وَمن أمثالهم: إِن الْعَصَا قُرِعت لذِي الْحلم، وَذَلِكَ أَن بعض حكّام الْعَرَب أسنّ وَضعف عَن الحكم، فَكَانَ إِذا احتكم إِلَيْهِ خصمان وزلّ فِي الْحُكم قَرَعَ لَهُ بعضُ وَلَده الْعَصَا يفطّنه بقرعها للصَّوَاب فيفطُن لَهُ، وَيُقَال للْقَوْم إِذا استُذلوا: مَا هم إِلَّا عبيد الْعَصَا. وَيُقَال: عِرق عَاص، إِذا لم يرقأ دَمه:

هُوَ العاند النّحار، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:

وَهن من واطىء تثنى حويَّته

وناشج وعواصي الْجوف تنشخب، يَعْنِي عروقاً تقطعت فِي الْجوف فَلم يرقأ دَمهَا وَيُقَال عصى فلَان أميره يعصيه عصياً وعِصْياناً إِذا لم يطعه، وَعصى العَبْد ربه إِذا خَالف أمره. وَيُقَال للْجَمَاعَة إِذا خرجت عَن طَاعَة السُّلْطَان: قد اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ. وَيُقَال فلَان يعْصى الرّيح إِذا اسْتقْبل مهبَّها وَلم يتَعَرَّض لَهَا، اعتصى فلَان بالعصا إِذا توكأ عَلَيْهَا فَهُوَ معتصٍ بهَا.

أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: عَصَاهُ يعصوه إِذا ضربه بالعصا قَالَ وعَصِي يَعْصَى إِذا لعب بالعصا كلعبه بِالسَّيْفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>