للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْوَجْه الثَّانِي أَن معنى التعزّي فِي هَذَا الحَدِيث التأسّي والتصبّر، فَإِذا أَصَابَت المسلمَ مُصِيبَة تَفْجَعُه قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ كَمَا أمره الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْله: بعزاء الله أَي بتعزية الله إيّاه، فَأَقَامَ الِاسْم مُقَام الْمصدر الحقيقيّ وَهُوَ التَّعْزِيَة من عزَّيت؛ كَمَا يُقَال: أَعْطيته عَطاء وَمَعْنَاهُ أَعْطيته إِعْطَاء. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} (المعَارج: ٣٧) فَمَعْنَى (عزين) خِلَقاً خِلَقا، وَجَمَاعَة جمَاعَة، وعِزُون جمع عِزْوة، فَكَانُوا عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله جماعات فِي تَفْرِقَة.

وَقَالَ اللَّيْث: العِزَة عُصبةٌ من النَّاس فَوق الحَلْقة. وَالْجَمَاعَة عزون. ونقصانها وَاو.

قلت أصل عزة عِزْوة، كَأَن كل جمَاعَة اعزازها أَي انتسابها وَاحِد عِزة. وَهِي مثل عِضَة أَصْلهَا عِضْوة. وَقد مرّ تَفْسِيرهَا.

وَقَالَ اللَّيْث يُقَال عَزِي الرجلُ يَعْزَى عزاء مَمْدُود. وَإنَّهُ لعزِيّ: صبور إِذا كَانَ حسن العزاء على المصائب. وَتقول عزّيت فلَانا أعزّيه تَعْزِيَة أَي أسّيته وَضربت لَهُ الأُسَى وأمرته بالْعزاء فتعزّى تعزّياً أَي تصبَّر تصبّراً. والعزاء: الصَّبْر نَفسه عَن كل مَا فقدت.

وَقَالَ أَبُو زيد: عزا فلَان نفسَه إِلَى بني فلَان يعزوها عَزْواً إِذا اعتزى إِلَيْهِم، محِقّا كَانَ أَو بَاطِلا، وانتمى إِلَيْهِم مثلُه. قَالَ: وَالِاسْم العِزوة والنِمْو وَيُقَال: النِمْيَة.

قلت: والعِزة الْجَمَاعَة مَأْخُوذَة من هَذَا. وَقَالَ اللَّيْث: كلمة شنعاء من لُغَة أهل الشِّحْر يَقُولُونَ يَعْزى مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا كَمَا نقُول نَحن: لعمري لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا.

وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَزْو لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا يتَكَلَّم بهَا بَنو مَهْرة بن حَيْدان يَقُولُونَ: عَزْوَى كأنّها كلمة يتلطّف بهَا. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ يَعزى. قَالَ: وَبَنُو عَزْوان حَيّ من الجنّ وَالْعرب تَقول: إِن النعام مراكب الجنّ وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الظليم:

حَلَقَتْ بَنو عَزْوان جُؤجؤَهُ

والرأسَ غير قنازع زُعْر

وَقَالَ اللَّيْث: الاعتزاء: الِاتِّصَال فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت حَرْب. فَكل من ادّعى فِي شعاره: أَنا فلَان بن فلَان أَو فلَان الْفُلَانِيّ فقد اعتزى إِلَيْهِ.

عوز: قَالَ اللَّيْث: العَوَز: أَن يعوزك الشَّيْء وَأَنت إِلَيْهِ مُحْتَاج. قَالَ: وَإِذا لم تَجِد الشَّيْء قلت: عازني. قلت عازني لَيْسَ بِمَعْرُوف.

وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: أعوزني هَذَا الْأَمر إِذا اشتدّ عَلَيْك وعَسُر، وَقَالَ غَيره: أعوزني الْأَمر يُعوزني أَي قلّ عِنْدِي مَعَ حَاجَتي إِلَيْهِ. وَرجل مُعْوِز: قَلِيل الشَّيْء.

وَقَالَ اللَّيْث: أعوز الرجلُ إِذا ساءت حَاله. وأعوزه الدَّهْر إِذا حلّ عَلَيْهِ الْفقر. قَالَ والمِعْوَز والجميع المعاوز وَهِي الخِرق الَّتِي يلفّ فِيهَا الصبيّ. وَقَالَ حسّان:

وموءودة مقرورة فِي معاوز

بآمتها مرموسة لم توسّد

وَقَالَ غَيره: المعاوز: خُلْقان الثِّيَاب، لُف

<<  <  ج: ص:  >  >>