للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الشَّافِعِي: الْعَرَايَا ثَلَاثَة أَصْنَاف: واحدتها أَن يَجِيء الرجل إِلَى صَاحب الْحَائِط، فَيَقُول لَهُ: بِعني من حائطك ثَمَر نَخَلات بِأَعْيَانِهَا بخرْصِها من التَمْر، فيبيعه إِيَّاهَا وَيقبض التَمْر ويُسلِّم إِلَيْهِ النَخَلات يأكلها ويبيعها ويُتَمِّرها، وَيفْعل بهَا مَا يَشَاء. قَالَ: وجِمَاع الْعَرَايَا: كل مَا أُفرد ليؤكل خاصّة، وَلم يكن فِي جملَة البيع من ثَمَر الْحَائِط إِذا بِيعَتْ جُمْلَتهَا من وَاحِد. والصنف الثَّانِي أَن يحضر ربَّ الْحَائِط القومُ فَيعْطى الرجلَ ثَمَر النَّخْلَة أَو النخلتين وَأكْثر عرِيّة يأْكُلها. وَهَذِه فِي معنى المِنْحة. قَالَ وللمُعْرَى أَن يَبِيع ثَمَرهَا، ويُتَمِّره، ويصنع فِيهِ مَا يصنع فِي مَاله؛ لِأَنَّهُ قد ملكه. والصنف الثَّالِث من الْعَرَايَا أَن يعرى الرجل الرَّحُلَ النَّخْلَة وَأكْثر من حَائِطه ليَأْكُل ثَمَرهَا ويهديه ويتَمِّره وَيفْعل فِيهِ مَا أحبّ وَيبِيع مَا بَقِي من ثَمَر حَائِطه مِنْهُ فَتكون هَذِه مُفْردَة من الْمَبِيع مِنْهُ جملَة.

وَقَالَ غَيره الْعَرَايَا أَن يَقُول الْغَنِيّ للْفَقِير: ثَمَر هَذِه النَّخْلَة أَو النَخَلات لَك، وَأَصلهَا لي.

وَأما تَفْسِير قَوْله ج: أَنه رخّص فِي الْعَرَايَا فَإِن الترخيص فِيهَا كَانَ بعد نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُزَابَنَة، وَهِي بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بالتَّمْرِ، ورخَّص من جملَة الْمُزَابَنَة فِي الْعَرَايَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق وَذَلِكَ الرجلُ يفضُل من قوت سنته التمرُ، فيدرك الرُطبُ ولانَقْد بِيَدِهِ يَشْتَرِي بِهِ الرُطَب، وَلَا نخل لَهُ يَأْكُل من رُطَبه، فَيَجِيء إِلَى صَاحب الْحَائِط فَيَقُول لَهُ: بِعني ثَمَر نَخْلَة أَو نخلتين أَو ثَلَاث بِخِرْصها من التَّمْر، فيعطيه التَّمْر بثمر تِلْكَ النَخَلات؛ ليصيب من رُطَبها مَعَ النَّاس، فرخّص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جملَة مَا حرم من الْمُزَابَنَة فِيمَا دون خَمْسَة أوسق، وَهُوَ أقلّ ممّا تجب فِيهِ الزَّكَاة، فَهَذَا معنى ترخيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَرَايَا، لِأَن بيع الرُطَب بالتَمْر محرّم فِي الأَصْل، فَأخْرج هَذَا الْمِقْدَار من الْجُمْلَة المحرَّمة لحَاجَة النَّاس إِلَيْهِ.

قلت: وَيجوز أَن تكون العِرْية مَأْخُوذَة من عَرِي يَعْرى، كَأنها عُرِّيت من جملَة التَّحْرِيم فعَرِيت أَي خلت وَخرجت مِنْهَا فَهِيَ عرِيَّة: فعيلة بِمَعْنى فاعلة، وَهِي بِمَنْزِلَة المستثناة من الْجُمْلَة، وَجَمعهَا الْعَرَايَا.

وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: استعرى الناسُ فِي كل وَجه إِذا أكلُوا الرُطَب، وأعرى فلَان فلَانا ثَمَر نَخْلَة إِذا أعطَاهُ إيَّاها، يَأْكُل رُطَبها وَلَيْسَ فِي هَذَا بيع، إِنَّمَا هَذَا مَعْرُوف وَفضل، وَالله أعلم.

وَرَوَى شمر عَن صَالح بن أَحْمد عَن أَبِيه قَالَ: الْعَرَايَا: أَن يُعري الرجل من نخلِهِ ذَا قرَابَته أَو جَاره مَا لَا يجب فِيهِ الصَّدَقَة، أَي يَهَبهَا لَهُ، فأرخص للمُعْرِي فِي بيع ثَمَر نَخْلَة فِي رَأسهَا بخِرصها من التَّمْر. قَالَ والعَرِيَّة مُسْتَثْنَاة من جملَة مَا نُهي عَن بَيْعه من الْمُزَابَنَة. وَقيل: يَبِيعهَا الْمُعَرى مِمَّن أعراه إِيَّاهَا. وَقيل لَهُ أَن يَبِيعهَا من غَيره.

وَقَالَ شمر: يُقَال لكل شَيْء أهملته وخليته: قد عرّيته. وَأنْشد:

إيجعُ ظَهْري وأَلَوِّي أَبْهَري

<<  <  ج: ص:  >  >>