للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَمَياناً وعطِشت عَطَشاناً: إِذا ذهبت إِلَيْهِ لَا تُرِيدُ غَيره، غير أَنَّك تؤمُّه على الإبصار والظلمة.

قَالَ اللَّيْث: العَمَى: ذهَاب الْبَصَر من الْعَينَيْنِ كلتيهما وَالْفِعْل مِنْهُ عَمِي يَعْمَى عَمًى.

قَالَ: وَفِي لُغَة أُخْرَى: أعماىَ يعمايُ أعمَياء، أَرَادوا حَذْو ادهامَّ يدهامّ، فأخرجوه على لفظ صَحِيح، وَكَانَ فِي الأَصْل: ادهامَمَ، فادّغموا لِاجْتِمَاع الميمين فلمَّا بنوا اعمايا على أصل ادهامم اعتمدت الْيَاء الْآخِرَة على فَتْحة الْيَاء الأولى فَصَارَت ألِفاً، فلمّا اختلفتا لم يكن للإدغام فِيهَا مَسَاغ كمسَاغة فِي الميمين. وَلذَلِك لم يَقُولُوا: اعمايّ مدغمة. وعَلى هَذَا الحَذْو يجرِي هَذَا كُله فِي جَمِيع هَذَا الْبَاب، إِلَّا أَن يَقُول قَائِل تكلفاً على لفظ ادهامّ بالتثقيل: اعمايّ فلَان غير مُسْتَعْمل.

قلت: وَقَول النحويّين على مَا حَكَاهُ اللَّيْث، وَأَحْسبهُ قَول الْخَلِيل وسيبويه.

وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الْأَعْمَى: اللَّيْل، وَالْأَعْمَى: السَّيْل، وهما الأبهمان أَيْضا. وَأنْشد:

وهبت إخاءك للأعميي

ن وللأبهمين وَلم أَظلِم

قَالَ: وهما الأبهمان أَيْضا بِالْبَاء لِليْل والسيل.

وروى سُفْيَان عَن ابْن جُرَيج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} (طاه: ١٢٥) قَالَ: أعمى عَن الحجَّة، وَقد كنت بَصيرًا بهَا.

وَقَالَ نفطويه: يُقَال عمِي فلَان عَن رُشْده وعَمِي عَلَيْهِ طريقُه إِذا لم يهتدِ لطريقه. وَرجل عمٍ، وَقوم عَمُون. قَالَ: وكلّما ذكر الله جلَّ وعزَّ العَمَى فِي كِتَابه فذمَّه يُرِيد عمى الْقلب. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الَاْبْصَارُ وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} (الحَجّ: ٤٦) .

وَقَالَ اللَّيْث: رجل أعمى وَامْرَأَة عمياء. وَلَا يَقع هَذَا النَّعْت على الْعين الْوَاحِدَة؛ لِأَن الْمَعْنى يَقع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. تَقول: عميتْ عَيناهُ، وَامْرَأَتَانِ عَمْياوان، وَنسَاء عَمْياوات.

وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن كَانَ فِى هَاذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الَاْخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسرَاء: ٧٢) قَالَ الْفراء: عدّد الله نِعَم الدُّنْيَا عَلَى المخاطبين، ثمَّ قَالَ: {: ُ، يَعْنِي فِي نعم الدُّنْيَا الَّتِي اقتصصناها عَلَيْكُم، فَهُوَ فِي نعم الْآخِرَة أعمى وأضلُّ سَبِيلا. قَالَ: وَالْعرب إِذا قَالُوا: هُوَ أفعل مِنْك قَالُوهُ فِي كل فَاعل وفعيل وَمَا لَا يُزَاد فِي فعله شَيْء على ثَلَاثَة أحرف. فَإِذا كَانَ على فعللت مثل زخرفت، أَو على افعللت مثل احمررت لم يَقُولُوا: هُوَ أفعل مِنْك حَتَّى يَقُولُوا: هُوَ أَشد حمرَة مِنْك، وَأحسن زخرفة مِنْك. قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْعَمى لِأَنَّهُ لم يُرد بِهِ عَمَى الْعَينَيْنِ، إِنَّمَا أُرِيد بِهِ وَالله أعلم عمى الْقلب، فَيُقَال: فلَان أعمى من فلَان فِي الْقلب، وَلَا يُقَال: هُوَ أعمى مِنْهُ فِي الْعين، وَذَلِكَ أَنه لمّا جَاءَ على

<<  <  ج: ص:  >  >>