للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَقَوْلِك عبد الله فِي الدَّار حَقًا إِنَّمَا نصب حَقًا من نيّة كَلَام المخبِر، كَأَنَّهُ قَالَ: أخْبركُم بذلك حَقّاً.

قلت: وَهَذَا القَوْل يقرب مِمَّا قَالَه أَبُو إِسْحَاق؛ لِأَنَّهُ جعله مصدرا مؤكِّداً، كَأَنَّهُ قَالَ أخْبركُم بذلك أحَقُّ حَقّاً.

وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْفراء: وكل مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من نكرات الحقّ أَو مَعْرفَته أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مصدرا فَوجه الْكَلَام فِيهِ النصب كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {وَعْدَ الْحَقِّ} (إِبْرَاهِيم: ٢٢) و {وُوِالْجَنَّةِ وَعْدَ} (الْأَحْقَاف: ١٦) .

قلت: كَأَنَّهُ قَالَ: أعِد وعد الحقّ ووعد الصدْق.

وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} (الْكَهْف: ٤٤) فالنصب فِي الحقّ جَائِز. تُرِيدُ: حقّاً أَي أَحُقّ الحقّ وأُحِقّه حَقًا، قَالَ: وَإِن شِئْت خفضت الْحق تَجْعَلهُ صفة لله، وَإِن شِئْت رفعته فَجَعَلته من صفة الْولَايَة هُنَالك الْولَايَة الحقُّ لله.

وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ {الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} (ص: ٨٤) قَرَأَ الْقُرَّاء الأول بِالرَّفْع وَالنّصب، رُوِي الرّفْع عَن عبد الله بن عَبَّاس. الْمَعْنى فَالْحق مني وَأَقُول الْحق. وَقد نصبهما مَعًا كثير من الْقُرَّاء، مِنْهُم من يَجْعَل الأوّل على معنى: الحقَّ لأملأن، وَينصب الثَّانِي بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَاف.

وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} (مريَم: ٣٤) رفع الْكسَائي القَوْل، وَجعل الْحق هُوَ الله. وَقد نصب (قَول) قوم من الْقُرَّاء يُرِيدُونَ: ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم: قولا حقّاً.

وَقَالَ اللَّيْث: الحَقَّة من الحقّ كَأَنَّهَا أوجب وأخصّ. تَقول: هَذِه حَقَّتي أَي حَقّي. قَالَ: والحقيقة: مَا يصير إِلَيْهِ حَقّ الْأَمر ووجوبه. تَقول: أبلغت حَقِيقَة هَذَا الْأَمر، تَعْنِي يَقِين شأنِه.

وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى لَا يعيب مُسلما بِعَيْب هُوَ فِيهِ) .

وَقَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: الْحَقِيقَة الرَّاية.

وَقيل: حَقِيقَة الرجل: مَا يلْزمه حفظه وَمنعه.

وَالْعرب تَقول: فلَان يَسُوق الوَسِيقة، ويَنْسِل الوَدِيقة، ويحمي الْحَقِيقَة. فالوسيقة: الطريدة من الْإِبِل، سميت وسيقة لِأَن طاردها يسِقها إِذا سَاقهَا أَي يَقْبِضُها والودَيقة: شدَّة الْحر والحقيقة مَا يحقّ عَلَيْهِ أَن يحميه.

وَقَالَ اللَّيْث حَقِيقَة الرجل: مَا يلْزمه الدفاع عَنهُ. وَجَمعهَا الْحَقَائِق.

وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الْحَقِيقَة: الرَّايَة. والحقيقة: الحُرْمة. والحقيقة: الفِنَاء.

وَقَالَ ابْن المظفر: أحَقَّ الرجلُ إِذا قَالَ حَقّاً، أَو ادَّعى حقّاً فَوَجَبَ لَهُ.

وَقَالَ: حقَّق الرجل إِذا قَالَ: هَذَا الشَّيْء هُوَ الحقّ كَقَوْلِك: صدّق.

أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: حَقَقْت الرجل وأحققته إِذا غلبته على الْحق وأثبتَّه عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>