للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ: قلت: تَحْقِيق الْكَلَام أَن الِانْتِقَال من الْمَخْلُوق إِلَى الْخَالِق إِشَارَة إِلَى برهَان الْآن، وَالنُّزُول من الْخَالِق إِلَى الْمَخْلُوق هُوَ برهَان اللم وَمَعْلُوم أَن برهَان اللم أشرف وَقد نظمت فِيهِ:

(وَمَا رَأَيْت شَيْئا ... إِلَّا وَقَبله الْحق)

(فَمن يَقُول بعده ... يسيح فِي الْإِرَادَة)

(وَلَيْسَ الِانْتِقَال ... معادل النُّزُول)

(لَدَى الْمُحَقِّقين ... عَلَيْك بالإفادة)

وَيقرب مِنْهُ مَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: (عرفت مُحَمَّدًا بِاللَّه، وَلم أعرف الله بِمُحَمد)

[وَإِذا عرفت مَا يتَعَلَّق بِالدَّلِيلِ على وَجه التَّفْصِيل فاستمع مَا يتَعَلَّق بِالدّلَالَةِ وتقسيمها على مَا لخصته من كتب الْقَوْم وَهُوَ] أَن الدّلَالَة إِمَّا لفظية وَإِمَّا غير لفظية، وكل مِنْهُمَا إِمَّا وضعية وعقلية وطبيعية

فاللفظية الوضعية مثل دلَالَة الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة على مدلولاتها

واللفظية الْعَقْلِيَّة كدلالة اللَّفْظ على وجود اللافظ، سَوَاء كَانَ مهملا أَو مُسْتَعْملا

واللفظية الطبعية كدلالة (أح) بِالْفَتْح وَالضَّم على وجع الصَّدْر وَهُوَ السعال، وكدلالة (أَخ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَتْح أَيْضا على الوجع مُطلقًا

وَغير اللفظية الوضعية كدلالة الدوال الْأَرْبَع على مدلولاتها

وَغير اللفظية الْعَقْلِيَّة كدلالة المصنوعات على الصَّانِع

وَغير اللفظية الطبعية كدلالة الْحمرَة على الخجل، والصفرة على الوجل

ثمَّ الإفادة والاستفادة من بَين هَذِه الْأَقْسَام السِّتَّة باللفظية والوضعية دون غَيرهَا، وَهِي مطابقية وتضمنية والتزامية، وانحصار الدّلَالَة فِي اللفظية وَغَيرهَا أَمر مُحَقّق لَا شُبْهَة فِيهِ، وَأما انحصارها فِي الوضعية والعقلية والطبعية فبالاستقراء لَا بالحصر الْعقلِيّ الدائر بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَأما انحصار اللفظية فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فبالحصر الْعقلِيّ، لِأَن الدّلَالَة إِمَّا أَن تكون على نفس الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ، فدلالة الْمُطَابقَة سميت بذلك لمطابقة الدَّال الْمَدْلُول كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان النَّاطِق، إِذْ هُوَ مَوْضُوع لذَلِك، أَو على جُزْء مَعْنَاهُ، فدلالة التضمن سميت بذلك لتضمن الْمَعْنى لجزء الْمَدْلُول، كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان أَو على لَازم مَعْنَاهُ الذهْنِي لزم مَعَ ذَلِك فِي الْخَارِج أم لَا فدلالة الْتِزَام سميت بذلك لاستلزام الْمَعْنى للمدلول، كدلالة الْإِنْسَان على قَابل الْعلم، هَذَا على رَأْي المناطقة فِي جعل الْكل أقساما للفظية الوضعية، وَإِلَّا فدلالة الِالْتِزَام عقلية والمطابقة والتضمن لفظيتان، وَدلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى وضعية للفظي، أَي متوقفة على الِاصْطِلَاح، وَدلَالَة النصبية وضعية لغير اللَّفْظ، وَدلَالَة اللَّفْظ على اللافظ غير وضعية، وَهِي للفظ، وَدلَالَة الدُّخان على النَّار غير وضعية، وَهِي لغير اللَّفْظ وَأما الدّلَالَة الَّتِي يتَعَلَّق بهَا غَرَض الْبَيَان فَهِيَ تَنْقَسِم تَارَة إِلَى وضعية شخصية كَانَت، كوضع مواد الْمُفْردَات، أَو نوعية كوضع صنفها وَوضع الهيئات التركيبية، وعقلية كدلالة الْكُلِّي على جزئه، والملزوم على لَازمه الْعقلِيّ، مُتَقَدما كَانَ

<<  <   >  >>