للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّحْمَن: اخْتلف فِيهِ قَالَ بَعضهم: هُوَ علم اتفاقي كالجلالة، إِذْ لم يسْتَعْمل صفة وَلَا مُجَردا عَن اللَّام إِلَّا إِذا كَانَ مُضَافا، وَفِي حَاشِيَة " الْكَشَّاف " للشَّيْخ سعد الدّين: فَإِن قيل من أَيْن علم أَن الرَّحْمَن لَيْسَ بِعلم؟ قُلْنَا: من جِهَة أَنه يَقع صفة فَإِن مَعْنَاهُ المبالغ فِي الرَّحْمَة والإنعام، لَا الذَّات الْمَخْصُوص مرادفا لاسم الله تَعَالَى، وَهَذَا فِي غَايَة الظُّهُور، فالرحمن كَانَ صفة بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة، ثمَّ غلب على الْمُنعم بجلائل النعم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَبِالْجُمْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَقع على الْمَخْلُوق، إِذْ المغلوب قد يكون مرجحا كَمَا فِي الْإِلَه، إِذْ قل اسْتِعْمَاله فِي الْبَاطِل، وَقد يكون مَهْجُورًا كَمَا فِي الرَّحْمَن حَيْثُ لَا يُطلق على الْغَيْر أصلا، (وَإِن تعرى عَن لَام التَّعْرِيف تثبت الْألف وَإِلَّا تحذف) وَقد صرح السَّيِّد الشريف بِأَنَّهُ مشارك لاسم الذَّات مُعَرفا ومنكرا، و [من هُنَا] لَا إِلَه إِلَّا الرَّحْمَن) يُفِيد التَّوْحِيد بِحَسب عرف الشَّرْع وَإِن لم يفد بِحَسب عرف اللُّغَة، وَعدم الِانْصِرَاف أظهر وَإِن أوجب اخْتِصَاصه بِاللَّه تَعَالَى الِانْصِرَاف على مَذْهَب من شَرط وجود (فعلى) ، وَعدم الِانْصِرَاف عِنْد من شَرط انْتِفَاء (فعلان) وَجعله مستوي النِّسْبَة بالانصراف وَعَدَمه نظرا إِلَى المذهبين اللَّذين لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر إِلْحَاقًا لَهُ بِمَا هُوَ الْغَالِب فِي بَابه وَهُوَ (فعلان) من (فعل) من حد (علم) فَإِن أَكْثَره غير منصرف أَو أَكْثَره على (فعلى) فَنزل منزلَة مَا مؤنثه (فعلى) وَيحكم بِأَنَّهُ لَو لم يطرأه الِاخْتِصَاص لجاء مِنْهُ (فعلى) فَمَعْنَى الرَّحْمَن الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها الَّتِي يقصر عَنْهَا كل من سواهُ، والعاطف على جَمِيع خلقه بالرزق لَهُم لَا يزِيد فِي رزق التقي بتقواه، وَلَا ينقص من رزق الْفَاجِر بِفُجُورِهِ

والرحيم: هُوَ الرفيق للْمُؤْمِنين خَاصَّة يستر عَلَيْهِم ذنوبهم فِي العاجل، ويرحمهم فِي الآجل، فمتعلق الرَّحْمَن أثر مُنْقَطع، ومتعلق الرَّحِيم أثر غيرمنقطع، فعلى هَذَا الرَّحِيم أبلغ من الرَّحْمَن، وَالْقَوْل بِأَن الرَّحِيم أبلغ لِأَن (فعيلا) للصفات الغريزة ك (كريم) و (شرِيف) ، و (فعلان) للعارض كه (سَكرَان) و (غَضْبَان) ضَعِيف، لِأَن ذَلِك لَيْسَ من صِيغَة (فعيل) بل من بَاب (فعل) بِالضَّمِّ، وَقيل: الرَّحْمَن اسْم خَاص صفة عَامَّة والرحيم اسْم عَام صفة خَاصَّة، فَإِنَّهُ يُقَال: (فلَان رَحِيم) وَلَا يُقَال (رَحْمَن) ، وَأما (رَحْمَن الْيَمَامَة) لمُسَيْلمَة الْكذَّاب فَمن بَاب تعنتهم وَقيل: الرَّحْمَن أمدح والرحيم ألطف، وَقَالَ بَعضهم: كل وَاحِد مِنْهُمَا أرق من الآخر من وَجه، (والرحيم لَا يُكَلف عباده جَمِيع مَا يطيقُونَهُ، فَكل ملك يُكَلف عبيده جَمِيع مَا يُطِيقُونَ فَلَيْسَ برحيم) ، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الترقي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَعَيَّن إِذا كَانَ الأبلغ مُشْتَمِلًا على مَا دونه، إِذْ لَو قدم الأبلغ حِينَئِذٍ كَانَ ذكر الآخر لَغوا كَمَا فِي: (فياض جواد) ، و (باسل شُجَاع) وَأما إِذا لم يشْتَمل عَلَيْهِ كَمَا هَهُنَا فَيجوز سلوك كل وَاحِد من طريقي التتميم والترقي نظرا إِلَى مُقْتَضى الْحَال، وَهَهُنَا يحمل على الأول، لِأَن الْمَطْلُوب بِالْقَصْدِ الأول فِي مقَام العظمة والكبرياء وجلائل

<<  <   >  >>