للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقد تقع الضمائر بَعْضهَا موقع بعض كَمَا تَقول: (مَا أَنا كَأَنْت) فَأَنت فِي هَذَا الْمقَام مَعَ أَنه ضمير مَرْفُوع وَقع موقع الْمَجْرُور

وَيجوز عدم الْمُطَابقَة بَين الضَّمِير والمرجوع إِلَيْهِ عِنْد الْأَمْن من اللّبْس كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} فَإِن الضَّمِير فِي (بطونه) رَاجع إِلَى الْأَنْعَام

وَقد وضعُوا مَكَان ضمير الْوَاحِد ضمير الْجمع إِمَّا رفعا لمكانة الْمُخَاطب وإظهارا لأبهته كَمَا فِي مخاطبات الْمُلُوك والعظماء، أَو تفخيما لما أولى من النعم أَو نَحْو ذَلِك

وَانْظُر إِلَى اخْتِلَاف الضمائر فِي كَلِمَات الْخضر: (أردْت) و (أردنَا) و (أَرَادَ رَبك) فَإِنَّهُ لما ذكر الْعَيْب أَضَافَهُ إِلَى نَفسه وَالرَّحْمَة إِلَى الله

وَعند الْقَتْل عظم نَفسه تَنْبِيها على أَنه من العظماء فِي عُلُوم الْحِكْمَة

وَإِذا وَقع قبل الْجُمْلَة ضمير غَائِب إِن كَانَ مذكرا يُسمى ضمير الشَّأْن نَحْو: (هُوَ زيد منطلق) وَإِن كَانَ مؤنثا يُسمى ضمير الْقِصَّة، وَيعود إِلَى مَا فِي الذِّهْن من شَأْن أَو قصَّة أَي: الشَّأْن أَو الْقِصَّة (مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعده

وَلَا يخفى أَن الشَّأْن أَو الْقِصَّة) أَمر مُبْهَم لَا يتَعَيَّن إِلَّا لخصوصية يعْتَبر هُوَ فِيهَا ويتحد هُوَ مَعَ مضمونها فِي التَّحْقِيق، فَيكون ضمير الشَّأْن أَو الْقِصَّة متحدا مَعَ مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعده، وَلِهَذَا لَا يحْتَاج فِي تِلْكَ الْجُمْلَة إِلَى الْعَائِد إِلَى الْمُبْتَدَأ

ويختار تأنيثه (إِذا كَانَ فِيهَا مؤنث غير فضلَة، نَحْو: (هِيَ هِنْد مليحة) : {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار} لقصد الْمُطَابقَة لَا لرجوعه إِلَيْهِ

وَضمير الشَّأْن لَا يحْتَاج إِلَى ظَاهر يعود عَلَيْهِ بِخِلَاف ضمير الْغَائِب، وَضمير الشَّأْن لَا يعْطف عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَون الضَّمِير فِي: {إِنَّه يراكم} للشَّيْطَان أولى من الشَّأْن، يُؤَيّدهُ قِرَاءَة: {وقبيله} بِالنّصب

وَلَا يُؤَكد ضمير الشَّأْن وَلَا يُبدل مِنْهُ لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِبْهَام وكل مِنْهُمَا للإيضاح، بِخِلَاف غَيره من الضمائر، وَلَا يُفَسر إِلَّا بجملة، وَلَا يحذف إِلَّا قَلِيلا، وَلَا يجوز حذف خَبره، وَلَا يتَقَدَّم خَبره عَلَيْهِ، وَلَا يخبر عَنهُ بِالَّذِي، وَيسْتَمر حذفه مَعَ (أَن) الْمَفْتُوحَة، وَلَا يجوز تثنيته وَلَا جمعه، وَيكون لمفسره مَحل من الْإِعْرَاب بِخِلَاف سَائِر المفسرات، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي أَمر يُرَاد مِنْهُ التَّعْظِيم والتفخيم، وَلَا يجوز إِظْهَار الشَّأْن والقصة وَقد نظمت فِيهِ:

(وَلَا تسألوا عَمَّا حوى الْقلب شَأْنه ... وَإِظْهَار شأني لَا يجوز كقصتي)

وَإِنَّمَا سمي ضمير الشَّأْن لِأَنَّهُ لَا يدْخل إِلَّا على جملَة عَظِيمَة الشَّأْن نَحْو: {قل هُوَ الله أحد} فَإِن أحديته جليلة عَظِيمَة

وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لَا يُؤَكد إِلَّا بالمنفصل الْمَنْصُوب بِخِلَاف الْبَدَل، وَإِذا جعلت الضَّمِير تَأْكِيدًا فَهُوَ بَاقٍ على اسميته، فتحكم على مَوْضِعه بإعراب مَا قبله وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا كَانَ مُتَّصِلا

<<  <   >  >>