للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكَرَاهَة تصح أَن تَجْتَمِع مَعَ الايجاز فيوجد الله الْفِعْل مَعَ كَرَاهَته لَهُ أَي مَعَ نَهْيه عَنهُ

أما الْكَرَاهَة: بِمَعْنى عدم إِرَادَة الله للْفِعْل فيستحيل أجتماعها مَعَ الايجاد إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَقع فِي ملك الله مَا لَا يُرِيد وُقُوعه؛ وَأما رضى الله فَهُوَ ترك الِاعْتِرَاض لَا الْإِرَادَة كَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة، فَإِن الْكفْر مَعَ كَونه مرَادا لَهُ تعلى لَيْسَ بمرضي عِنْده تَعَالَى، لِأَنَّهُ يعْتَرض عَلَيْهِ ويؤاخذ بِهِ وَقد نظمت فِيهِ:

(بِسَهْم الْحَظ معترض لحب ... رِضَاء الله ترك الِاعْتِرَاض)

والمحبة والرضى: كل مِنْهُمَا أخص من الْمَشِيئَة؛ فَكل رضَا إِرَادَة وَلَا عكس؛ والأخص غير الْأَعَمّ؛ وَقَوله تَعَالَى: {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} إِرَادَة أَمر وتشريع تتَعَلَّق هِيَ بالطاعات لَا بالمعصية؛ وَقَوله تَعَالَى: {وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا} إِرَادَة قَضَاء وَتَقْدِير شَامِلَة لجَمِيع الكائنات

والإرادة: قد تتَعَلَّق بالتكليف من الْأَمر وَالنَّهْي، وَقد تتَعَلَّق بالمكلف بِهِ أَي إيجاده أَو إعدامه؛ فَإِذا قيل إِن الشَّيْء مُرَاد، قد يُرَاد بِهِ أَن التَّكْلِيف بِهِ هُوَ المُرَاد لَا مَجِيئه وذاته، وَقد يُرَاد بِهِ أَنه فِي نَفسه هُوَ المُرَاد أَي إيجاده أَو عَدمه فعلى هَذَا مَا وصف بِكَوْنِهِ مرَادا بِلَا وُقُوع لَهُ، فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِلَّا إِرَادَة التَّكْلِيف بِهِ فَقَط

وَمَا قيل: إِنَّه غير مُرَاد وَهُوَ وَاقع فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِلَّا أَنه لم يرد التَّكْلِيف بِهِ فَقَط، فَالْمُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} نفي لإِرَادَة التَّكْلِيف بِهِ لَا من حَيْثُ حُدُوثه، وَلَيْسَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وُقُوع الْعِبَادَة، بل الْأَمر بهَا

وَاحْتج أَصْحَابنَا بقوله تَعَالَى: {قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ ... وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} على أَن الْحَوَادِث بِإِرَادَة الله تَعَالَى، وَأَن الْأَمر قد يَنْفَكّ عَن الْإِرَادَة، وَإِلَّا لم يكن للشّرط بعد الْأَمر معنى وَالْحق أَن دلَالَته على أَن مُرَاد الله تَعَالَى وَاقع لَا ان الْوَاقِع لَيْسَ إِلَّا مُرَاده، وَلَا أَن الْأَمر قد يَنْفَكّ عَن الْإِرَادَة، إِذْ مَحل الْخلاف الْأَمر التكليفي وَالْأَمر هَا هُنَا للارشاد بِدَلِيل {أتتخذنا هزوا} ثمَّ الدَّلِيل على أَن الْأَمر غير الْإِرَادَة قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} ثمَّ قَوْله: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} ثمَّ قَوْله: {وَيهْدِي من يَشَاء} دَلِيل على أَن الْمصر على الضَّلَالَة لم يرد الله رشده

وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} دَلِيل صِحَة تعلق الْإِرَادَة بالإغواء وَإِن خلاف مُرَاده محَال

والإرادة قد تكون بِحَسب الْقُوَّة الاختيارية، وَلذَلِك تسْتَعْمل فِي الْجِدَار وَفِي الْحَيَوَانَات نَحْو:

<<  <   >  >>