للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَذَاكَ عبد قد شغف بحب الله تَعَالَى وَذكر آلائه يَبْتَغِي فِي جَمِيع متقلبه رِضَاهُ فهم كلهم أهل ولَايَة الله تَعَالَى وَحرَام على الأَرْض لحومهم ودماؤهم لأَنهم عبيد الله تَعَالَى وخاصته وَالْأَرْض سخرة لَهُم فالأرض تمْضِي فِي سخرتها وَالْعَبِيد يمضون فِي حُقُوق الله تَعَالَى فَإِن الله تَعَالَى جعل الأَرْض ممرا للآدميين ليأخذوا مِنْهَا الزَّاد ليقطعوا هَذِه السفرة فَهِيَ بلغتهم قل أَو كثر ضَاقَ أَو اتَّسع فالمنتبه اطلع على هَذَا المطلع فَأَخذهَا تزودا وَوَجهه إِلَى الله تَعَالَى وَقَلبه مَعَ الله تَعَالَى يسير إِلَيْهِ ركضا يقطع اللَّيْل وَالنَّهَار كلما ذكر الْمَوْت وارتاح لعلمه بِأَن الْمَوْت يذهب بِهِ إِلَيْهِ وَيقدم بِهِ عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ لأحد أَن يقدم على مَوْلَاهُ الَّذِي هُوَ عطشان إِلَى لِقَائِه إِلَّا بعد وُرُود الْمَوْت الَّذِي وَكله بِهِ وَالرَّسُول الَّذِي جعله بَين يَدَيْهِ فَإِذا صَار إِلَى ملحده لم يكن بَينه وَبَين الأَرْض إِلَّا كل جميل

قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا تستاذن رَبهَا فِي أَن تدخل عَلَيْهِ فِي لحده فِي صورتهَا الَّتِي خلقت فِيهَا فَإِن لكل شَيْء صُورَة فَيُؤذن لَهَا فَتدخل عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الصُّورَة وتؤنسه وتبشر بِهِ وَتقول طَال مَا كنت تمشي على ظَهْري وَأَنا إِلَيْك مشتاقة ويبكي ظهر الأَرْض عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صباحا وَتقول فِي بكائها يَا رب عَبدك كَانَ يذكرك فِي فجاجي وبقاعي أسفا على مَا فاتها وافتقدت من ذَلِك وَالسَّمَاء تبْكي عَلَيْهِ فَتَقول يَا رب عَبدك كَانَ ينزل عَلَيْهِ رزقه مني ويصعد عمله إِلَيّ فَلَا يزَال ذَلِك دأبهما من الْبكاء وَهَذَا لِأَن الله تَعَالَى جعل هَذِه الأَرْض سخرة للآدمي لتَكون لَهُ قواما قطعا لعذره وَخلق الْآدَمِيّ لعبودته وَإِقَامَة حُقُوقه فَإِذا اشْتغل العَبْد فِي إِقَامَة حُقُوقه ونهمته وهمته وهواه ذَلِك فالسخرة لَهُ سليمَة طيبَة بِلَا وبال وَإِذا أحدث فِي السخرة حَدثا لم يكن لَهُ بِأَن إشتغل عَن إِقَامَة حَقه بهَا بِمَا سخر لَهُ عَادَتْ عَلَيْهِ وبالا وَصَارَت عَلَيْهِ فتْنَة وَقد تحولت العبودة عَن الْوَاحِد إِلَى الْأَعْدَاد قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>