للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال سيبويه: ليس في الكلام فعلٌ وصفاً إلاّ في حرف من المعتل، وهو قولهم: قوم عدى، أي أعداء، وقد يكون العدى الغرباء وأن لم يكونوا أعداء، قال الشاعر:

إذا كنتَ في قومٍ عدًى لستَ منهمُ

وزيدَ عليه قراءة بعضهم: ديناً قيّماً في معنى قيْماً، ويمكن أن ينصر سيبويه بأن قَيِّماً منقوص عن قيام مصدر قام، وقد وضع موضع الصفة، وزيد عليه: مكانٌ سوى، أي مستوٍ، ولحم زِيَمٌ أي متفرِّق، قال زهير:

على قوائمَ عوْجٍ لحمها زِيَمُ

وقال النابغة:

بذي المجازِ تراعي مُنزلا زيَما

أي متفرق النبات.

والثِّني: من دون السيد، قال:

يسودُ ثنانا من سوانا وبدْؤنا ... يسودُ معدّاً كلَّها ما تدافعهْ

وماء رِوى في معنى رواءٍ كثيرة. فهذه خمسة أحرف ذهبت عن سيبويه. قال الشيخ أبو علي أيده الله: والرِّوى من بينها، من الضَّوال التي أنا وجدتها.

[بيت معنى]

غرائرُ أبكارٌ حِسانٌ فنونها ... كأنَّ عيونَ المرشقاتِ عيونها

يزرنَ ابن أمٍّ لا يعزَّى بهالكٍ ... أبوهْ ولم يحملْ لنسلٍ جنينها

غرائر أشباه: يعني قصائد شبهها بالنساء الغرائر وهي المنعمات الغافلات، واحدتها غريرة، أشباه: أي كلها خيار يشبه بعضها بعضاً، والمرشقات: الظباء الناصبات الأعناق مشبه عيونها في جنسها بعيونها، وقوله: يزرن ابن أم لا يعزى بهالك، أي يسرن في طريق هذه صفتها، حتَّى يصرن إلى الممدوح، وابن أم: هو السبيل، لا يعزى بهالك: أي من هلك فيه لم يُعزَّ به، ولا جنينها حمل لنسل، لأنه إنما نسب إليها الأمومة والبنوَّة على المجاز.

[مسألة من الغريب]

حكى ابن الأعرابي: أن العرب تقول في أمثالهم عند تقليل الشيء والإزراء به: زَنْدان في مُرَقَّعة، ويقولون أيضاً: ليس في جفيره غير زندين، والجفير: الكنانة، والزندان: قِدْحان تُورَّى بهما النار، ويقال: وريتُ بك زنادى، في معنى شد الله بك ركني، ويقال للرجل البخيل: صلدتْ زناده، أي: قدح فلم يورِ، قال الشاعر:

صلدتْ زنادُكَ يا يزيدُ وطالما ... ثقبْتَ زنادُكَ للضَّريكِ المُرمل

الضريك: الفقير، والمرمل: الذي انقطع زاده، ويقال: قدح فأصلد أيضاً: إذا لم يغنِ شيئاً، وقول عمرو بن معد يكرب:

ما إن جزعْتُ ولا هلِعتُ ... وما يردُّ بُكايَ زَنْدا

يريد أن بكاءه لا يرد التَّافه الذي يقل خطره، وقيل للبخيل المبخوس الحظ من الخير المزنَّد، من هذا.

فأما قول الأعشى:

وزندكَ خيرُ زنادِ الملو ... كِ صادفَ منهنَّ مرخٌ عفارا

ولو بتَّ تقدحُ في ظلمةٍ ... صفاةً بنبعٍ لأوريتَ نارا

فقد كشف عن المعنى، والعرب تقول: في كلِّ شجرٍ نار واستمجد المرخ والعفار فلذلك ذكرهما، ومعنى استمجد استكثر من النار، ومنه أمجدت الدابة العلف، فهو يصف الممدوح بجزالة الرأي، وإدراك الفوز في المطالب والظفر، والبتم لا يثقب لصلابته، فقال: لو قدحت به لأوريت، أي ينجح سعيك فيما يخيب ويكدى فيه غيرك.

[مسألة إعراب]

يقول أصحابنا البصريون: شرط فعل التعجب أن يكون من الثلاثي لا غير، فإن زاد، تعجب منه بأشد وما أشبهه مما لا يخلو الأحداث منه، وكذلك الألوان والخلق، لأن الشرط في الفعل منهما أن يكون على أكثر من ثلاثة أحرف، وقال سيبويه: يبنى مما كان على أفعل أيضاً وليس لأحد أن يعترض على ما يقولونه بما أحسنه وما أقبحه وما أطوله وما أقصره، وذلك أن الحسن والقبح ليسا من الخلق في شيء بدلالة أن الوصف بهما إنما يثيره استحلاء الناظر أو اجتواؤه دون ما عليه الشيء نفسه، ألا ترى أن ما يقول فيه: زيد ما أحسنه، قد يقول فيه: عمرو ما أقبحه من غير تغير حدث فيه أو تبدل عرض له، وإذا كان الأمر كما قلنا بأن مفارقتهما للخلق، وكذلك الوصف بالطول والقصر يحصل عن مضامَّة الغير للموصوف بأحدهما، بدلالة أن نفس ما يقول فيه: ما أطوله قد يقول فيه: ما أقصره من غير أن يتحول عن الحالة التي كان عليها من قبل، وإذا كان ذلك كذلك فارق العرج، والصَّمم، والبكم، وما أشبهها من الخلق، لأن الموصوف بها أو ببعضها يوصف بها كيف دار الأمر، إلاّ أن يخرج عن الصفة بتغيير من قبل خالقه.

<<  <   >  >>