للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بيت معنى]

أنشد:

يقدِّمها النَّجيبُ إذا تبارتْ ... إذا احتاجَ النَّجيبُ إلى النَّجيبِ

يصف ناقته يقول: إذا تبارت النوق من السير وتجاهدت، يقدم هذه الناقة ويحصل لها التبريز على صواحبها، عنقها التي كأنها قضيب قد نُجب، أي: أُخذ قشره، وإنما قال هذا، لأنه يستحب من النوق طول العنق وتجردها من الوبر، وقوله: إذا احتاج النجيب، يعني أنها تفعل ذلك في الوقت الذي يشتد الأمر في الطلب أو الهرب فيحوج الكريم العتيق من الإبل إلى السوط والحثّ به، فالنجيب الأول يراد به: العنق، والنجيب الثاني: الكريم من الإبل ذو النجابة، والثالث: السّوط المتخذ من جلد منجوب، أي مدبوغ بالنٌّجب، وهو لحاء شجرة، وهو فعيل بمعنى مفعول، ومثله قول عصام الزَّماني:

ينضُو الفَلا بالمنِّ خوفَ نجيبِ ... ويغولُ فضلَ زمامهِ بنجيبِ

ينضو: أي يجاوزه ويمضيه، والمن: الإعياء، أي: على ما يلحقه من الضعف والكلال يجاوز الفلا من خوف السوط، ويغول فضل زمامه، أي: يمد زمامه ويذهب به لطول عنقه، فالنجيب الأول في هذا البيت: السوط، والنجيب الثاني: العنق.

[مسألة من الغريب]

ذكر ابن الأعرابي، عن أبي المكارم، وهو أستاذه، في قول الناس: لا تبلِّمْ عليه، قال: يكون مدحاً وذماً، فإذا أريد به التقبيح فهو من قولهم: أبلمت الناقة إذا انتفخ حياؤها من شدة الضَّبعة، وهو أقبح ما يكون، قال: ويملَّح فيزداد قبحاً، ولذلك قيل: كأنَّ وجههُ حرٌ مملَّح.

ويروى أن الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك لبعض ندمائه: حرِّك من الفرزدق لننظر ماذا يقول، فلما استقر به المجلس قال له ذلك النديم: يا أبا فراس، كأن وجهك أحراحاً مملَّحة، فقال الفرزدق: انظر هل ترى حرَّ أمك فيه؟ فخجل النديم، فهذا وجه الذم.

وإذا أريد به المدح فإنه يكون مأخوذاً من البلماء وهي ليلة البدر، ويقال: وجهه مبلم إذا امتلأ نوراً واستكمل حسناً، قال: ويقال لذلك طفاوة القمر، وأنشدونا:

كأنَّهُ البدرُ في طَفاوتِهِ

[مسألة من التنزيل]

قوله تعالى:) وما يُشعركم أنَّها إذا جاءتْ لا يؤمنونَ (، ذكر بعضهم أنه لا يجوز أن يقرأ فيه أنها بالفتح، لأن هذا الكلام منقطع عن الأول وإخبار بأن الذين نزلت الآية فيهم لا يؤمنون.

وفي قراءة أن بالفتح ما يبطل هذا المعنى ويجعل لهم عذراً في تركهم الإيمان، وهذا غير جائز، فالوجه كسر إن ويكون المعنى أنهم مع الآيات يعاندون أيضاً فلا يؤمنون.

ووجه الفتح في أن أن يجري يشعر مجرى يدري لاتفاقهما في المعنى، ويجعل أن بمعنى لعل كما تقول العرب: إئت السوق أنَّك تشتري كذا بمعنى: لعلك تشتري شيئاً، فيكون التقدير: وما يدريكم لعلها، يعني الآيات، إذا جاءت لا يؤمنون أيضاً.

[مسألة تشتمل على فوائد كثيرة من اللغة والتنزيل والشعر]

سأل بعضهم عن قول الله عز وجل:) يا نساءَ النَّبيّ من يأتِ منكنَّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ يضاعفُ لها العذابُ ضعفينِ (، وعما حكي عن أبي عبيدة فيه وكيف خالفه الناس، وعن قول أبي ذؤيب:

جزيتُكِ ضعفَ الودّ لمَّا اشْتركتهِ ... وما إنْ جزاكِ الضِّعفَ منْ أحدٍ قبلِي

وإنكار الأصمعي عليه فيما قاله، وهذه مسألة توجب بسط القول في جوانبها، فإنها لا تكاد تبين إلاّ بذلك لاختلاف وجوهها وتداخل طرقها، وأنا أفصل جملها، وأشرح مبهمها بحول الله.

اعلم أن للضعف في اللغة مواضع ثلاثة، يكون المثل لما تضاعف به الشيء، ويكون: الشيء المضاعف، ويكون: التضعيف. ولكل من هذه الوجوه بيان ومجاز، قال الخليل: يقال: أضعفت الشيء وضعَّفته وضاعفته إذا جعلته مثلين أو أكثر، ويقال: ضعَفته بالتخفيف في هذا المعنى أيضاً، ضعفاً فهو مضعوف، قال لبيد:

وعالَيْنَ مضْعوفاً وفرداً سموطُه ... جمانٌ ومرجانٌ يشُك المفاصِلا

<<  <   >  >>