للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: أخو سلوة، يريد الندى، أي كانت في سلوة من العيش يسليهم عن غيره، يقول: أقامت بهذا المكان في قوة الربيع يجاور الندى، وقوله: مسَّى به الليل، أي جامع الليل، وأملح: أبيض في أسود، وهو من نعت أخي سلوة، والمعنى: أقامت ما ساعدها الندى ثم ارتحلت.

[مسألة إعراب]

إن قال القائل: من أين جاز أن يقال: عاماً أول، ولم يجز شهراً أول، ولا يوماً أول، ولا سنة أولى؟ قلت: إن قولهم: عاماً أول مما عمدوا فيه إلى تخصيصهم بشيء لا يكون في غيره اعتماداً على التعارف، لأن المعنى عاماً أول من عامي، فلما كانت الكلمة متداولة، وكانت الحاجة إلى كثرة استعمالها ماسة حذفوا واختصروا وأوجزوا واقتصروا، معتمدين على علم المخاطب، والنية الإتمام، والفصل بين هذا وبين ما بني على الضم، وهو أبداً بهذا أول، أن المبني على الضم قد جُعل غاية متضمنة لمعنى المحذوف منه، وهو في النية ثابت، ولم يجعل المبني غاية الكلام ولا متضمناً لمعنى الملغي منه، بل غاية الكلام ما في النفس، فهو في حكم المنطوق به معه، وإن حذفت تخفيفاً، فهو كما حذف في قول الراجز:

خالطَ مِنْ سلمَى خياشيمَ رفَا

ألا ترى أنه لما نوى الإضافة قال: وفا، فحذف من اللفظ وأثبتها في النية، حتى صار في حكم المنطوق به، ولو أراد الإفراد لم يجز إلاّ فاها، ومثل هذا الاختصاص قولهم: اليوم فعلت كذا، جعلوه ليومك الذي أنت فيه، ولا يقولون: لقيته الشهر ولا السنة، وقد قالوا أيضاً: لقيته العام، وإن كان العام بمعنى السنة، قال الشاعر:

يا أيُّها العامُ الذي قد رابَني ... أنتَ الفداءُ كذكرِ عامٍ أوَّلا

فإن قيل: ولم احتيج إلى من حتَّى قدرت في قولك عاماً أول، إن أصله عاماً أول من عامي، قلت: إنما افتقر الكلام إلى من لأنهم أرادوا أن يتبينوا في أفعل هذا ابتداء الزيادة من أي شيء كان ليعرف حده ومبتدؤه، فمعنى قولك: زيد أفضل من عمرو، أن ابتداء زيادة فضله من فضل عمرو، فهو حده وأوله، وكذلك قولهم: عاماً أول، فعلمه.

[مسألة من الأثر]

روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: طول الصلاة وقصر الخطبة مِئنَّةٌ من فقه الرجل، قوله: مئنة، قال الفراء: يقال أنت عمدتنا ومئتنا، أي نقصد إليك حوائجنا، وأصله: من أنَّ في الأمر يئن، وذنَّ يذنُّ، إذا تردد فيه وعاود بنجز قضائه، ويقال أيضاً: أنَّنَ ودنَّنَ، وحكي عن بعض بني قيس أنه قال: تأنَّنتُ فلاناً، بمعنى: تنصَّفته، أي طلب عنده النصفة من تبعة لي قبله، وقال اللحياني: المئنَّة: المكانة، قال:

إنَّ اكتحالاً بالنقيِّ الأفْلجِ

ونظَراً في الحاجبِ المُزجَّجِ

مئنَّةٌ من الفعالِ الأعوجِ

أي مضنَّة، وقال أبو زيد: إنه لمئنة أن يفعل كذا، أي خليق، وقال أبو مالك المسجد مني مئنة، أي مكان، وأنشد لدكين:

يُسقى على درَّاجةٍ نخوسِ ... معصوبةٍ بينَ ركايَا شوسٍ مئنَّةٌ من قلَتِ النفوسِ

أي: مكان من ملاك النفوس.

الكسائي: حضرني رجل من الأعراب يكنى أبا زيد، وكان فصيحاً، فقال: إني لأرى مجلسك هذا مئنة للعلماء، أي معدناً، وأنشد:

فتوضحُ منها فالقنَانُ مئنَّةٌ ... فثهلانُ منها مربعٌ ومصيفُ

وروى أبو سعيد: دخل رجل ذو مئنَّة بوزن معنَّة، ورجال ذوو مئنَّة، أي: مجلوب للخير.

وأنشد أبو مالك في المئنة:

ومنزلٍ مِنْ هوى جملٍ نزلتُ بهِ ... مئنَّةُ من مراصيدِ المَئنَّاتِ

[فصل]

[فوائد ونكت]

الأصمعي: للطعن الوخض، الذي إذا طعن لم ينفذ، والتَّصريد: الطعن النافذ، والمصدر منه الصَّرد. قال الشاعر:

فما بقِيا عليَّ تركتُماني ... ولكنْ خفتُما صرَدَ النِّبالِ

ويقال: أصرده إصراداً، ويقال: طعن وطعنات نواجم، وهي التي إذا طعنت نفذ منها شيء قليل من الشق الآخر، ينجم القرن والسن حين طلع، ويقال: وخطه وخطَات، إذا طعن طعناً خفيفاً شبه الاختلاس، قال:

وخْطاً بماضٍ في الكُلى وخَّاطِ

ويقال: طعن لزّ، وطعن شزر، فالشزر ما كان عن يمين وشمال، ويقال في مثله: إذا كان الأمر مستقيم الأمر: سُلكى، وما سُلكى، وليس بمخلوجة، وليس بسلكي، وقال امرؤ القيس:

نطعنُهمْ سُلكى ومخلوجة ... كرَّاكَ لأمينِ على نابلِ

أي: رام.

<<  <   >  >>