للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنتِ التي إنْ شئتِ أشقيتِ عيشتي ... وإنْ شئتِ بعدَ اللهِ أنعمتِ بالِيا

وإنِّي لأستغشي وما بيَ نعسةٌ ... لعلَّ خيالاً منكِ يلقى خيالِيا

إذا اكتحلتْ عيني بعينكِ لم أزلْ ... بخرٍ وجلَّتْ غمرةً عن فؤادِيا

إذا سرتُ بالأرضِ الفضاءِ رأيتني ... أُصانعُ رحلي أنْ يميلَ حيالِيا

سقى اللهُ جيراناً لليلى تقاذفتْ ... بهنَّ النَّوى حتَّى اختللنَ المطالِيا

تبدَّلتُ من جدواكِ يا أمَّ مالكٍ ... وساوسَ همٍّ يحتضرنَ وسادِيا

فإنَّ الذي أمَّلتُ يا أمَّ مالكٍ ... أشابَ قَذالي واستهامَ فؤادِيا

فيومانِ يومٌ في الأنيسِ مرنَّقٌ ... ويومٌ أجاري في الرِّياحِ الجوارِيا

أعدُّ اللَّيالي ليلةً بعد ليلةٍ ... وقد كنتُ دهراً لا أعدُّ اللَّيالِيا

إذا ما طواكِ الدَّهرُ يا أمَّ مالكٍ ... فشأنُ المنايا القاضياتِ وشانِيا

خليليَّ إنْ دارتْ على أمِّ مالكٍ ... صروفُ اللَّيالي فابغيا ليَ ناعِيا

ولا تترُكاني لا لحينٍ معجَّلٍ ... ولا لبقاءٍ تنظرانِ بقائِيا

خليليَّ لا واللهِ لا أملكُ البكا ... إذا علمٌ من آلِ ليلى بدالِيا

خليليَّ لا واللهِ لا أملكُ الذي ... قضى اللهُ في ليلى ولا ما قضى لِيا

قضاها لغيري وابْتلاني بحبِّها ... فهلاَّ بشيءٍ غيرِ ليلى ابْتلانِيا

خليليَّ إنْ بانوا بليلى فهيّئا ... ليَ النَّعشَ والأكفانَ واستغفرا لِيا

فأشهدُ عندَ اللهِ أنِّي أُحبُّها ... فهذا لها عندي فما عندها لِيا

أمضروبةٌ ليلى على أن أزورُها ... ومتَّخذٌ ذنباً لها أنْ ترانِيا

يميناً إذا كانتْ يميناً وإن تكنْ ... شمالاً ينازعُني الهوى عن شمالِيا

أراني إذا صلَّيتُ وجَّهتُ نحوَها ... بوجهي وإنْ كانَ المصلَّى ورائِيا

وما بيَ إشراكٌ ولكنَّ حبَّها ... مكانَ الشَّجى أعيا الطبيبَ المداوِيا

أُحبُّ من الأسماءِ ما وافقَ اسمها ... وأشبههُ أو كانَ منهُ مُدانِيا

وما ذكرتْ عندي لها من سميَّةٍ ... من النَّاسِ إلاّ بلَّ دمعي ردائِيا

خبر ليلى الأخيلية وتوبة بن الحميِّر

وذكروا أن توبة الحميِّر العامري وهو أحد المشهورين من عشاق العرب، وكان شجاعاً مغواراً، وصاحبته ليلى الأخيلية الشاعرة، وفي توبة تقول:

أقسمتُ أبكي بعدَ توبةَ هالكاً ... وأحفلُ من دارتْ عليهِ الدوائرُ

لعمركَ ما بالموتِ عارٌ على الفتى ... إذا لم تصبهُ في الحياةِ المعايرُ

ودخلت على عبد الملك بعد إسنانها، فقال لها: ما رأى توبة فيك حين عشقك؟ فقالت: ما رآه الناس فيك حين ولوك، فضحك عبد الملك حتَّى بدت له سن سوداء كان يخفيها.

ذكروا أن توبة رحل إلى الشام، فمر ببني عذرة فرأته بثينة، فجعلت تنظر إليه، فشق ذلك على جميل، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا توبة بن الحميّر، فقال: هل لك في الصراع؟ فقال: ذلك إليك، فنبذت إليه بثينة ملحفة مورسة، فاتزر بها، ثمَّ صارعه فصرعه جميل، ثمَّ سابقه فسبقه جميل، فقال: يا هذا، إنما تفعل هذا بريح هذه، ولكن اهبط بنا الوادي، فهبطا فصرعه توبة وسبقه.

وكان توبة يرى ليلى متبرقعة، ثمّ إن أخوتها أمروها أن تعلمهم بمجيئه ليقتلوه، فسفرت لتنذره، فلما رآها سافراً علم أن ذلك من حدث، فانحاز، وفي ذلك يقول:

وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرقعتْ ... فقدْ رابَني منها الغداةَ سفورُها

والقصيدة التي لتوبة بن الحميّر

نأتكَ بليلى دارُها لا تزورُها ... وشطَّتْ نواها واستمرَّ مريرُها

وخفَّتْ نواها من جنوبِ عُنيزةٍ ... كما خفَّ من نبلِ المرامي جفيرُها

وقالَ رجالٌ لا يضيركَ نأيُها ... بلى كلُّ ما شفَّ النّفوسَ يضيرُها

أليسَ يضيرُ العينَ أن تردَ البُكى ... ويمنعَ منها نومُها وسرورُها

أرى اليومَ يأتي دونَ ليلى كأنَّما ... أتى دونَ ليلى حجَّةٌ وشهورُها

لكلِّ لقاءٍ نلتقيهِ بشاشةٌ ... وإنْ كانَ حولاً كلّ يوم أزورها

خليليَّ روحَا راشدينَ فقد أتتْ ... ضريَّةٌ من دونِ الحبيبِ ونيرُها

<<  <   >  >>