للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ معنى مَا يَقُول أَن إفريقية مفرقة لقلوب أَهلهَا إِشَارَة إِلَى مَا فِيهَا من كَثْرَة العصائب الحاملة على عدم الإذعان والانقياد

الثَّانِي مَا وَقع بِالشَّام لعهد بني إِسْرَائِيل لِكَثْرَة من كَانَ بِهِ إِذْ ذَاك من قبائل المم فَلم تتمهد لبني إِسْرَائِيل فِيهِ دولة سَائِر أيامهم إِلَى أَن غلبهم الْفرس ثمَّ اليونان ثمَّ الرّوم أخيرا عِنْد الْجلاء الْأَكْبَر وَالله غَالب على أمره

اعْتِبَار بعكس قَالَ وَهُوَ أَن الأوطان الخالية من العصائب يسهل فِيهَا تمهيد الدولة وَيكون لسلطانها وازعا لقلَّة الانتقاض عَلَيْهِ وَعدم احْتِيَاجه إِلَى كَثِيرَة عصائبه كالشام ومصر والأندلس لهَذَا الْعَهْد إِنَّمَا هِيَ سُلْطَان ورعية وَالله غَنِي عَن الْعَالمين

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

أَن الْعَرَب أبعد الْأُمَم عَن سياسة الْملك وَذَلِكَ لأمرين

أَحدهمَا أَن خلق توحشهم مُوجب لصعوبة انقياد بَعضهم إِلَى الْبَعْض وَرَئِيسهمْ لمَكَان ذَلِك يضْطَر لمجاملتهم بِإِحْسَان الملكة وَترك المراغمة وَإِلَّا أختل عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم شَأْن العصبية الَّتِي بهَا الطّلب والدفاع وسياسة الْملك لابد فِيهَا من قهر الْوَازِع بهَا وَإِلَّا لم تجر على إستقامة الْملك فِيهَا

الثَّانِي أَن من طبيعتهم كَمَا سلف اقتصارهم على مَا بأيدي النَّاس من غير الْتِفَات لما وَرَاء ذَلِك من وُجُوه الرّعية لَهُم وَذَلِكَ منَاف للسياسة وعائد بخراب الْعمرَان وَحِينَئِذٍ فَظَاهر أَنهم بالطبع أبعد الْخلق عَن سياسة الْملك وَإِنَّمَا يَمرونَ إِلَيْهَا بعد انقلاب طاعتهم بصبغة دينية يكون بهَا الْوَازِع من النَّفس

اعْتِبَار قَالَ وَاعْتبر ذَلِك بدولتهم فِي الْملك لما رعيت فِيهَا السياسة الكفيلة بصلاح الْعمرَان وَمضى عَلَيْهَا الْخُلَفَاء عظم حِينَئِذٍ ملكهم وقوى

<<  <  ج: ص:  >  >>