للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحثحثتْ كأسها مُقرطقةٌ ... لو مُنِّيَ الحسنُ ما تعدَّاها

إذا اقتضاها طرفي لها عدةً ... عرفتُ مردودها بفحواها

وقال:

دعْ عنكَ لومي فإنَّ اللومَ إغراءُ ... وداوني بالتي كانتْ هي الداءُ

صفراءُ لا تنزلُ الأحزانُ ساحتَها ... لو مسّها حجرٌ مسّتهُ سرَّاءُ

ومنها:

طافتْ بإبريقِها والليلُ معتكرُ ... فلاحَ من نورِها في البيتِ لألاءُ

فأُرسلتْ من فمِ الإبريقِ صافيةً ... كأنّما أخذُها بالعينِ إغفاءُ

رقَّت عن الماءِ حتى ما يلائمُها ... لطافةً وجفا عن شكلها الماءُ

فلو مزجتْ بها ناراً لمازجها ... حتى تولَّد أنوارٌ وأضواءُ

لتلكَ أبكي ولا أبكي لمنزلةٍ ... كانتْ تحلُّ بها هندٌ وأسماءُ

هذا البيت يكرر أبو نواس معناه كثيراً، وقال:

أيا باكيَ الأطلالِ غيَّرها البلى ... بكيتَ بعينٍ لا يجفُّ لها غربُ

يقول منها:

وندمانِ صدقٍ باكرَ الراح سحرةً ... فأضحى وما منه اللسانُ ولا القلبُ

وحاولَ نحو الكأسِ مشياً فلم يطقْ ... من الضعفِ حتى جاءَ مختبطاً يحبو

فقلنا لساقينا اسقهِ فانبرى له ... رقيقٌ بما سُمناهُ من عسلٍ ندبُ

فناولهُ كأساً جلتْ عن فؤادهِ ... فناولهُ أخرى فثارَ له لبُّ

تغنَّى وما دارتْ لهُ الكأسُ ثالثاً ... تعزَّى بصبرٍ بعد فاطمةَ القلبُ

وقال أيضاً:

قطرُ بلٌ مربعي ولي بقرى ال ... كرخِ مصيفٌ وأمِّيَ العنبُ

تُرضعني درَّها وتلحفني ... بظلها والهجير يلتهبُ

يقول فيها:

فقمتُ أحبو إلى الرضاعِ كما ... تحاملَ الطفلُ مسّهُ السغبُ

حتى تخيرتُ بيتَ دسكرةٍ ... قد عجمتها السنون والحقبُ

هتكتُ عنها والليلُ معتكرٌ ... مهلهلَ النسجِ ماله هدبُ

يريد نسج العنكبوت.

فاستوسقَ الشربَ للندامى وأج ... راها علينا اللجينُ والغربُ

اللجين الفضة والغرب الذهب يريد حكت الفضة بمائها والذهب بلونها، وعلى الأول يكون قد أخذه ابن المعتز فقال:

وخمّارةٍ من بنتِ المجوسِ ... ترى الزقَّ في بيتها شائلا

وزنا لها ذهباً جامداً ... فكالتْ لنا ذهباً سائلا

وقد أوضحه أبو نواس في بقية الأبيات وهي:

أقولُ لمّا حكتهما شبهاً ... أيّهما للتشابهِ الذهبُ

هما سواءٌ وفرقُ بينهما ... أنّهما جامد ومنسكبُ

ملسٌ وأمثالُها محفرةٌ ... صُور فيها القسوسُ والصلبُ

يتلونَ إنجيلَهم وفوقهم ... سماءُ خمرٍ نجومُها الحببُ

كأنّها لؤلؤٌ تُبدِّدهُ ... أيدي عذارى أفضى بها اللعبُ

الملس: الأقداح التي لا نقش عليها، والمحفرة: المنقوشة، والقسوس: الصور التي على الأقداح، يقول: إن الخمر علت هذه الصور حتى صارت لها سماء والنجوم حبابها. وقال:

ساعٍ بكأسٍ إلى ناشٍ على طربِ ... كلاهما عجبٌ في منظرٍ عجبِ

قامتْ تُريني وأمرُ الليلِ مجتمعٌ ... صبحاً تولَّد بين الماء والعنبِ

كأنَّ صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباءُ درٍّ على أرضٍ من الذهبِ

من كفِّ ساقيةٍ ناهيكَ ساقيةً ... في حسنِ قدٍّ وفي ظرفٍ وفي أدبِ

وقال من أخرى:

أعاذلَ أعتبتُ الإمامَ وأعتبا ... وأعربتُ عمَّا في الضميرِ وأعربا

أعتبت: رجعت، يقال: لك العتبى: أي لك الرجوع إلى ما تحب، وأعربت: أفصحت.

وقلتُ لساقينا أجزْها فلم يكنْ ... ليأبى أميرُ المؤمنين وأشربا

فجوَّزها عني عقاراً ترى لها ... إلى الشرف الأعلى شعاعاً مطنّبا

ترى حيثُ ما كانتْ من البيتِ مشرقاً ... وما لم تكن فيه من البيت مغربا

أخذه من قيس بن الخطيم:

قضى لها الله حين صورها ال ... خالق أن لا تكنها السدَفُ

ومنها:

إذا عبَّ فيها شاربُ القومِ خلتهُ ... يقبِّلُ في داجٍ من الليلِ كوكبا

سقاهم ومنّاني بعينيهِ منيةً ... فكانتْ إلى قلبي ألذّ وأعجبا

وقال أيضاً:

دعِ الأطلال تسفيها الجنوبُ ... وتبلي عهدَ جدَّتها الخطوبُ

وخلِّ لراكبِ الوجناءِ أرضاً ... تخبُّ بها النجيبةُ والنجيبُ

<<  <   >  >>