للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب السابع: طبقات الشعراء]

[الفصل الأول: طبقات ابن سلام الجمحي]

[مدخل]

...

[الفصل الأول: طبقات ابن سلام الجمحي]

الشعر العربي في حقيقته يعتبر الشعر الوحيد بين كل فنون الشعر العالمي من حيث طول الفترة التي عاشها عيشة ممتدة موصولة الأسباب، فمنذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا لم ينقطع إنشاده وإنشاؤه يومًا واحدًا أي أن عمره يمتد إلى ستة عشر قرنًا موصولة من الزمان صادف خلالها فترات من القوة والنشاط والازدهار، كما صادف أيضًا فترات من الزمان عصبية انحط فيها مستواه وتخلخلت عرى أسباب قوته، ودوافع نشاطه ومباعث تألقه.

ومهما كان الأمر فما زلنا نردد شعر امرئ القيس والنابغة وزهير باللذة نفسها التي نردد بها شعر شوقي ومطران وناجي في مصر، والزهاوي والرصافي وحافظ جميل في العراق، والأخطل الصغير والشاعر القروي في لبنان، وعمر أبي ريشة وبدوي الجبل في سورية، وأبي القاسم الشابي في تونس مارين بشعراء الأحقاب الزمنية من المبرزين الموهوبين في صدر الإسلام، وعهد بني أمية وزمان بني العباس وشعر الأندلس، وشعر العصر المملوكي إلى غير ذلك من عهود وأمكنة، شعر مفهوم للجميع لم يحدث للغته انكسار أو تغير كما حدث بين اليونانية القديمة والحديثة أو اللاتينية ومتفرعاتها، أو حتى الفارسية وتغيرها.

هو إذن ظاهرة خالدة ذلك الشعر العربي الذي يوجد في طبيعته ما يحافظ عليه، ويحول بينه وبين أن يندثر على كثرة ما ضاع منه ووفرة ما أهمله الرواة وأضاعه المهملون.

لم يكن الشعر يدون في أول أمره على صفحات ونعني بذلك عصوره الباكرة في الجاهلية وصدر الإسلام وبني أمية، وإنما كان يحفظ في صدور الرواة، فكان لكل شاعر روايته وأحيانًا يكون للشاعر الواحد أكثر من راوية، وكان هذا الراوية بمثابة الديوان، ولكنه ديوان متحرك من البشر يكبر ويهرم وتتعرض ذاكرته للضعف الذي يؤدي إلى النسيان،

<<  <   >  >>