للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- الرسائل والوصايا والمحاورات: وكل هذه موقورة كثيرة في حنايا الكتاب، بعضها رسائل رسمية متعلقة بشئون الدولة وهي ما اصطلح على تسميتها بالرسائل الديوانية، وبعضها الآخر رسائل اجتماعية جرت بين أصدقاء وهي التي يطلق عليها الرسائل الإخوانية، ولما كان الجاحظ سيدًا من سادة الأسلوب في الكتابة العربية، فإنه يحسن ما يختار من رسائل في مقام الغرض الذي اختاره من أجله. هذا وقد أكثر الجاحظ من ذكر الوصايا وخاصة وصايا الخلفاء. ويهتم الجاحظ بالمحاورات، والطريف منها بشكل خاص، وما كان يبعث على الافتخار كتلك المحاورات التي كانت تجري بين عبد الملك ورجاله، أو بين الحجاج والعامة حينًا، وبينه وبين أعدائه والخارجين عليه أحيانًا أخرى والتي تنتهي عادة إما بالإفراج والعفو أو بالقتل وسفك الدم، وهي محاورات خليقة بأن تقرأ؛ لأنها تربي النفس وتنهض بالأخلاق وتعلم قوة الحجة ونصاعة البرهان.

٥- النساك والقصاص: وكان هؤلاء على أيام الجاحظ وقبله بقليل من الخطر والأهمية بمكان، وكانوا صفوة بين علماء ومعلمين. وقد تكاثروا في البصرة بلد الجاحظ بشكل خاص، ومن منا يستطيع أن يغفل شأن الحسن البصري ناسكًا، ومن ذا الذي يجرؤ على إنكار خطره عالمًا وخطيبًا! لقد أتى الجاحظ في أكثر من فصل من فصول كتابه بأسماء العشرات من أمثال مالك بن دينار وأبي حازم الأعرج ويزيد الرقاشي، ولم يغفل النساء الزاهدات مثل رابعة العدوية القيسية ومعاذة العدوية، وأم الدرداء.

وأما الجانب الساخر من فصول البيان والتبيين فهو الحكمة التي تصدر عمن لا يتوقع المرء أن تصدر منه، والجاحظ يجيد الكتابة الفكهة فهو فكه بطبعه مرح في غير تكلف، ومن ثم فقد خص الحمقى والنوكى بدراسة وافية، وكثيرًا ما كانت الحكمة تجري على ألسنتهم وهو لسوء الحظ يعد المعلمين في أكثر الأحيان من الحمقى، بل إنه يحمل عليهم في سخرية، وينسب إلى بعض الحكماء قوله: لا تستشيروا معلمًا ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء. كما أنه يذكر من أمثال العامة قولهم: أحمق من معلم كتاب، غير أنه لا يلبث في موضع آخر أن يستبعد الحماقة عن عظماء المعلمين الذين علموا أولاد الملوك المرشحين للخلافة مثل علي بن حمزة الكسائي أو محمد بن المستنير الذي يقال له قطرب.

ومن القصص الطريفة التي جاء بها الجاحظ عن النوكى بعد أن عدد أسماءهم ما ذكره عن ديسيموس اليوناني وجعيفران الموسوس الشاعر. يقول الجاحظ:

فأما ديسيموس فكان من موسوسي اليونانيين، قال له قائل: ما بال ديسيموس يعلم الناس الشعر ولا يستطيع قوله؟ قال: مثله مثل المسن الذي يشحذ ولا يقطع؟

ورآه رجل وهو يأكل في السوق فقال: ما بال ديسيموس يأكل في السوق؟ فقال: إذا

<<  <   >  >>