للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما وافى عمر الشام في خلافته جاءه ذلك الراهب بالكتاب، وهو صاحب دير عدس، فلما رآه عرفه ثم قال: قد جاء ما لا مذهب لعمر عنه. ثم أقبل على أصحابه فحدثهم بحديثه، فلما فرغ منه أقبل على الراهب فقال: إن أضفتم المسلمين ومرضتموهم وأرشدتموهم فعلنا ذلك.

قال: نعم يا أمير المؤمنين. فوفى له عمر.

[دير العذارى]

دير العذارى: للراهبات في المشرق العربي، ديارات عديدة، أشرنا إلى بعضها في المقدمة.

- نوّه الشابشتي بالدير الموجود في قطيعة النصارى ببغداد في عصره، قائلاً: " وببغداد أيضاً دير يعرف ب " دير العذارى " في قطيعة النصارى على نهر الدجاج. وسمي بذلك لأن لهم صوم ثلاثة أيام قبل الصوم الكبير، يسمى صوم العذارى. فإذا انقضى الصوم، اجتمعوا إلى هذا الدير فتعبدوا وتقربوا. وهو دير حسن ".

- قال الخالدي: وشاهدته وبه نسوة عذارى وحانات خمر، وإن دجلة أتت عليه بمدودها فأذهبته حتى لم يبق منه أثر، وذكر أنه اجتاز به في سنة ٣٢٠ هـ وهو عامر.

- دير العذارى: كان ديراً للرواهب السريانيات في بغداد، في قطيعة النصارى، حيث كانت بيعة مار توما للسريان. ذكره ابن العبري في أحداث سنة ١٠٠٢ هـ، وسماه دير الأخوات، وقال: إن قوماً من السوقة حاولوا نهبه، ثم ولوا عنه هاربين لنبأ أتاهم أن خلقاً من الأوباش هلكوا في حريق نشب في البيعة المذكورة بفعلهم..

- وانظر: المشترك وضعاً ١٩٠ - ١٩١.

- مراصد الإطلاع: ٢ - ٥٦٩.

- مسالك الابصار ١ - ٢٥٨ - ٢٦١ - البدور المسفرة ١٩ - ٢٠ - بغداد في عهد الخلافة العباسية ٨٠ - ١٨١.

- ري سامراء في عهد الخلافة العباسية ١ - ١٨٤، ١٨٥.

- الديارات النصرانية في الإسلام ٢٤.

- دليل خارطة بغداد ٤٢، ٨٢.

- أحوال نصارى بغداد ١١٣ - ١١٥.

[دير العذارى]

قال أبو الفرج الأصبهاني: هو بين أرض الموصل وبين أرض باجرمى من أعمال الرقة، وهو دير عظيم قديم، وبه نساء عذارى قد ترهَّبن وأقمن به للعبادة فسمي به لذلك، وكان قد بلغ بعض الملوك أن فيه نساء ذوات جمال، فأمر بحملهن إليه ليختار منهن على عينه من يريد، وبلغهن ذلك فقمن ليلتهن يصلين ويستكفين شره، فطرق ذلك الملك طارق فأتلفه من ليلته فأصبحن صياماً، فلذلك يصوم النصارى الصوم المعروف بصوم العذارى إلى الآن. ودير العذارى بسر من رأى إلى الآن موجود، يسكنه الرواهب.

وقد ذكرت هذا الدير الشعراء فأكثرت. فمنهم أبو الحسن جحظة البرمكي، قال أبو الفرج الحسين بن علي الأصبهاني أنشدني لنفسه قوله فيه:

ألا هل إلى دير العذارى ونظرة ... إلى الخير من قبل الممات سبيلُ؟

وهل لي بسوق القادسية سكرة ... تعلل نفسي والنسيم عليلُ؟

وهل لي بحانات المطيرة وقفة ... أراعي خروج الزق وهو حميلُ

إلى فتية ما شتت العزل شملهم ... شعارهم عند الصباح شمولُ

وقد نطق الناقوس بعد سكوته ... وشمعل قسيس ولاح فتيلُ

يريد انتصاباً للمقام بزعمه ... ويرعشه الإدمان فهو يميلُ

يغني وأسباب الصواب تمده ... وليس له فيما يقول عديلُ:

" ألا هل إلى شم الخزامى ونظرة ... إلى قرقرى قبل الممات سبيلُ؟ "

وثنّى يغني وهو يلمس كأسه ... وأدمعه في وجنتيه تسيلُ:

" سيعرض عن ذكري وينسى مودتي ... ويحدث بعدي للخليل خليلُ "

سقى الله عيشاً لم يكن فيه علقة ... لهم ولم ينكر عليه عذولُ

لعمرك ما استحملت صبراً لفقده ... وكل اصطبار عن سواه جميلُ

قال: ولما خرج عبيد الله بن عبد الله بن طاهر من بغداد إلى سر من رأى، وكان المعتز استدعاه، نزل هذا الدير، فأقام به يومين واستطابه وشرب به، ثم قال هذه الأبيات:

ما ترى طيب وقتنا يا سعيد ... زمن ضاحك وروض نضيدُ

ورياض كأنهن برود ... كل يوم لهن صبغ جديدُ

وكأن الشقيق فيها عشيق ... وكأن البهار صب عميدُ

وكأن الغصون ميلاً قدود ... وكأن النوار فيها عقودُ

وكأن الثمار والورق الخض ... ر ثياب من تحتهن نهودُ

فاسقنيها راحاً تريح من اله ... م وتبدي سرورنا وتعيدُ

واحثث الكأس يا سعيد فقد حث ... ك ناي لها وحرك عودُ

وافترع عذرة اللذاذات في دي ... ر العذارى، فعلها لا تعودُ!

وذكر ابن قدامة قال:

<<  <   >  >>