للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي عن بعض شيوخه والإعلال به عند الإمام أحمد.

هناك صنف من الرواة هم في أنفسهم ثقات إلا أن أحاديثهم عن بعض شيوخهم ضُعِّفت لكونهم لم يضبطوها كما ضبطوا غيرها، وأخطؤوا فيها أخطاء بينة، فوصفوا بسوء الحفظ أو الضعف أو الاضطراب في أولئك الشيوخ، فإذا روى واحد من هؤلاء الرواة الثقات الموصوفين بهذا الوصف حديثاً فلا يحكم عليه بالصحة والاستقامة إلا بعد النظر في شيخه في الإسناد، فإن كان ممن ضعِّف فيه أو وصف بالاضطراب أو سوء الحفظ لحديثه فلا يصحح له، ومعرفة هذا من دقائق علم العلل الذي اختص به الأئمة النقاد، ولأهميته أشاد الإمام مسلم بدور أئمة الحديث (١)، حيث أدركوا هذا النوع من العلل الخفية، وأثبت أن كل من نابذهم وخالفهم في المذهب فلا سبيل له إلى معرفة الحديث ورجاله.

ومما يدل على أهمية هذا النوع من العلل أن الجهل به أو الغفلة عنه أوقع كثيراً من الناس في الغلط حيث حكموا على أحاديث بعض الرواة بأنها على شرط الشيخين لمجرد كون الشيخين قد احتجا بكل واحد من رجال الإسناد، وفات إدراكهم أنه لا يستقيم الحكم على الإسناد بأنه على شرطهما إلا إذا احتجا بكل واحد من رجال الإسناد على صورة الاجتماع، بخلاف ما لو كان احتجاجهما بهم على صورة الانفراد كسفيان بن حسين، عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري لضعف سماعه من الزهري دون بقية مشايخه (٢).


(١) كتاب التمييز ص ٢١٨.
(٢) انظر تحرير الحافظ ابن حجر لهذه المسئلة في: النكت على كتاب ابن الصلاح ١/ ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>