للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من نفى شيئا ثابتا فرارا من محذور]

...

قوله:

وهذا باب مطرد، فإن كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات لا ينفي شيئا فرارا إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه، فلا بد في آخر الأمر من أن يثبت موجوداً واجباً قديما، متصفا بصفات تميزه عن غيره، ولا يكون فيها مماثلا لخلقه، فيقال له: هكذا القول في جميع الصفات، وكل ما تثبته من الأسماء والصفات فلابد أن يدل على قدر تتواطأ فيه المسميات، ولولا ذلك لما فهم الخطاب، ولكن نعلم أن ما اختص الله به، وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال.

ش: يعني كما يقال لهؤلاء الفلاسفة إنكم نفيتم الصفات- فراراً من التركيب اللازم من التعدد- وقد لزمكم مثل ما فررتم منه حيث تثبتون أنتم صفات متعددة متباينة يقال أيضا لكل من نفى شيئا مما أثبته الله ورسوله فالباب واحد والقاعدة مطردة، فمثلا إذا قال الأشعري- الرضا والغضب والفرح والمحبة ونحو ذلك- هو من صفات الأجسام فإنه يقال له: كذلك الإرادة، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، من صفات الأجسام، فإنه كما لا نعقل في الشاهد ما ينزل ويستوي ويغضب ويرضى، إلا جسما لم نعقل ما يسمع ويبصر، ويريد، ويعلم، ويقدر، إلا جسما. فإذا قال: سمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، وإرادته ليس كإرادتنا، وكذلك علمه وقدرته. قيل له: ورضاه ليس كرضانا، وغضبه ليس كغضبنا، وفرحه ليس كفرحنا، ونزوله ليس كنزولنا. فإذا قال: لا يعقل في الشاهد غضب، إلا غليان دم القلب لطلب الانتقام. قيل له:

<<  <  ج: ص:  >  >>