للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَنْفِي ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ لَوَازِمَ قَوْلِهِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ إلَّا مَحْضَ حَقَائِقِ الْمَخْلُوقِينَ وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ بِمُسَمَّى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلُهُمْ افْتِرَاءٌ عَلَى اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ نَفْيَ مُمَاثَلَةِ صِفَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ قِيلَ لَهُ: أَحْسَنْت فِي نَفْيِ هَذَا الْمَعْنَى الْفَاسِدِ وَلَكِنْ أَخْطَأْت فِي ظَنِّك أَنَّ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِسَمِيعِ حَقِيقَةً؛ وَلَا بَصِيرٍ حَقِيقَةً؛ وَلَا مُتَكَلِّمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا يَعْهَدُهُ مِنْ سَمْعِ الْمَخْلُوقِينَ وَبَصَرِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ لَهُ: أَصَبْت فِي تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُمَاثَلَتِهِ خَلْقَهُ؛ لَكِنْ أَخْطَأْت فِي ظَنِّك أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّهُ سَمِيعًا حَقِيقَةً بَصِيرًا حَقِيقَةً مُتَكَلِّمًا حَقِيقَةً كَانَ هَذَا مُتَضَمِّنًا لِمُمَاثَلَتِهِ خَلْقَهُ. فَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ حَقِيقَةً لَزِمَ التَّجْسِيمُ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْته تَجْسِيمًا وَنَفَيْته هُوَ لَازِمٌ لَك إذَا قُلْت: إنَّ لَهُ عِلْمًا حَقِيقَةً؛ وَقُدْرَةً حَقِيقَةً وَسَمْعًا حَقِيقَةً: وَبَصَرًا حَقِيقَةً؛ وَكَلَامًا حَقِيقَةً؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ الصِّفَاتِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ هِيَ فِي حَقِّنَا أَعْرَاضٌ قَائِمَةٌ بِجِسْمِ فَإِذَا كُنْت تُثْبِتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ تَنْزِيهِك لَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّجْسِيمِ: فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الِاسْتِوَاءِ؛ وَلَا فَرْقَ.