للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيْضًا فَمَالِكٌ مَعَهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ السَّلَفِ كَابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَعَائِشَةَ؛ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَمُبِيحُ الْأَشْرِبَةِ لَيْسَ مَعَهُ لَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ بَلْ قَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ. وَأَيْضًا فَتَحْرِيمُ جِنْسِ الْخَمْرِ أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللُّحُومِ الْخَبِيثَةِ فَإِنَّهَا يَجِبُ اجْتِنَابُهَا مُطْلَقًا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ شَرِبَهَا الْحَدُّ وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا. وَأَيْضًا فَمَالِكٌ جَوَّزَ إتْلَافَ عَيْنِهَا اتِّبَاعًا لِمَا جَاءَ مِنْ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ تَخْلِيلِهَا وَهَذَا كُلُّهُ فِيهِ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَلَمَّا كَانَ تَحْرِيمُ الشَّارِعِ لِلْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ أَشَدَّ مِنْ تَحْرِيمِهِ لِلْأَطْعِمَةِ: كَانَ الْقَوْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ مُوَافَقَةَ الشَّارِعِ أَصَحَّ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اسْتَحَلَّتْ الْغِنَاءَ حَتَّى صَارَ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ إسْحَاقَ الطَّبَّاعُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمًّا يَتَرَخَّصُ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْغِنَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَخَفُّ مِمَّا اسْتَحَلَّهُ مَنْ اسْتَحَلَّ الْأَشْرِبَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَحْرِيمِ الْغِنَاءِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي تَحْرِيمِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَعُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ.