للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُسَاسُونَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ هَذِهِ السِّيَاسَةُ مِنْ غَيْرِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ فَذَلِكَ مِنْ الدِّينِ وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي فَهُوَ الْخَطَأُ. وَلَكِنَّ مَنْشَأَ هَذَا الْخَطَأِ أَنَّ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ تَقْصِيرٌ عَنْ مَعْرِفَةِ سِيَاسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيَاسَةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ. وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ يَكْثُرُونَ؛ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوْفُوا بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلَ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ} فَلَمَّا صَارَتْ الْخِلَافَةُ فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَاحْتَاجُوا إلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ وَتَقَلَّدَ لَهُمْ الْقَضَاءَ مَنْ تَقَلَّدَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ وَلَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ كَافِيًا فِي السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ: احْتَاجُوا حِينَئِذٍ إلَى وَضْعِ وِلَايَةِ الْمَظَالِمِ وَجَعَلُوا وِلَايَةَ حَرْبٍ غَيْرَ وِلَايَةِ شَرْعٍ وَتَعَاظَمَ الْأَمْرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى صَارَ يُقَالُ: الشَّرْعُ وَالسِّيَاسَةُ وَهَذَا يَدْعُو خَصْمَهُ إلَى الشَّرْعِ وَهَذَا يَدْعُو إلَى السِّيَاسَةِ سَوَّغَ حَاكِمًا أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّرْعِ وَالْآخَرُ بِالسِّيَاسَةِ. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى الشَّرْعِ قَصَّرُوا فِي مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ فَصَارَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ إذَا حَكَمُوا ضَيَّعُوا الْحُقُوقَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ حَتَّى تُسْفَكَ الدِّمَاءُ وَتُؤْخَذَ الْأَمْوَالُ وَتُسْتَبَاحَ الْمُحَرَّمَاتُ؟ وَاَلَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى السِّيَاسَةِ صَارُوا يَسُوسُونَ بِنَوْعِ مِنْ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ