للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ عِيسَى} يَرْجِعُ إلَى الِاسْمِ: فَإِنَّهُمْ إذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا كَانَ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ لَيْسَ بِمُضَافِ إلَيْهِ؛ وَلِذَا نَقُولُ: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} وَالِاسْمُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ لَيْسَ بِابْنِ مَرْيَمَ وَإِنَّمَا ابْنُ مَرْيَمَ نَفْسُ الْجِسْمِ وَالرُّوحِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِمَا الِاسْمُ الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ الْآيَاتُ الْخَارِقَةُ الَّتِي جَعَلُوهُ لِأَجْلِ ظُهُورِهَا إلَهًا. وَقَوْلُهُمْ: الْمُرَادُ نَفْسُ ذَاتِ الْعِجْلِ لَمَّا نَسَفَهُ: فَإِذَا نُسِفَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِجْلًا: بَلْ الْعِجْلُ حَقِيقَةُ الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي خَارَتْ وَإِلَّا بُرَادَةُ الذَّهَبِ لَا تَصِلُ إلَّا الْقُلُوبَ وَغَايَةُ مَا تَصِلُ إلَى الْأَجْوَافِ: فَإِمَّا أَنْ يَسْبِقَهَا الطَّبْعُ فَيُحِيلَهَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سُحَالَةُ الذَّهَبِ إذَا حَصَلَتْ فِي الْمَعِدَةِ رَسَبَتْ بِحَيْثُ لَا تَرْتَقِي إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْعَرَبِ: أُشْرِبُوا: لَا يَرْجِعُ إلَى الشُّرْبِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَسْبَابِ وَهُوَ: الإيساغ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْحُبِّ لَا إلَى الذَّوَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَجْسَامُ؛ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ: أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْمَاءَ إذْ هُوَ مَشْرُوبٌ فَكَيْفَ يُقَالُ فِي الْعِجْلِ عَلَى أَنَّ إضَافَتَهُ نَفْسَهُ إلَى الْقَلْبِ إضَافَةٌ لَهُ إلَى مَحَلِّ الْحُبِّ؟ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي سِحَالَتِهِ إذَا تَنَاوَلُوهَا: هَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مُوسَى وَمِنْ إلَهِ مُوسَى؛ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ فِي قُلُوبِهِمْ.