للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَنَّ اخْتِلَاطَ الْخَبِيثِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ: هَلْ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْجَمِيعِ أَمْ يُقَالُ: بَلْ قَدْ اسْتَحَالَ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ؟ فَالْمُنَجِّسُونَ ذَهَبُوا إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ ثُمَّ مَنْ اسْتَثْنَى الْكَثِيرَ قَالَ: هَذَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مَوْضِعَ اسْتِحْسَانٍ كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَبَنَوْا الْأَمْرَ عَلَى وُصُولِ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ وُصُولِهَا وَقَدَّرُوهُ بِالْحَرَكَةِ أَوْ بِالْمِسَاحَةِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ دُونَ الْعُمْقِ. وَالصَّوَابُ: هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ متى عُلِمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ اسْتَحَالَتْ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَكَذَلِكَ فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثِ وَالْخَبِيثُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الطَّيِّبِ بِصِفَاتِهِ فَإِذَا كَانَتْ صِفَاتُ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ صِفَاتِ الطَّيِّبِ دُونَ الْخَبِيثِ: وَجَبَ دُخُولُهُ فِي الْحَلَالِ دُونَ الْحَرَامِ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَنَتَوَضَّأُ مَنْ بِئْرِ بضاعة؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ