للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} قَدْ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ عَلَى قِرَاءَةِ أَيْدِيكُمْ بِالْإِسْكَانِ؛ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ: {وَأَرْجُلَكُمْ} فَإِنَّ بَعْضَ السَّبْعَةِ قَرَءُوا: {وَأَرْجُلَكُمْ} بِالنَّصْبِ قَالُوا: إنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمَغْسُولِ تَقْدِيرُهُ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَذَلِكَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي: قَرَأَ عَلَيَّ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ: وَأَرْجُلِكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ بِالْخَفْضِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَكَانَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ: وَأَرْجُلَكُمْ يَعْنِي بِالنَّصْبِ وَقَالَ هَذَا مِنْ الْمُقَدَّمِ الْمُؤَخَّرِ فِي الْكَلَامِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ وَقَالَ عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْغَسْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ كَقَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ:

مُعَاوِي إنَّنَا بَشَرٌ فَاسْجَحْ … فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا

فَإِنَّمَا يَسُوغُ فِي حَرْفِ التَّأْكِيدِ مِثْلُ الْمَبَانِي. وَأَمَّا حُرُوفُ الْمَعَانِي فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَالْبَاءُ هُنَا لِلْإِلْصَاقِ لَيْسَتْ لِلتَّوْكِيدِ وَلِهَذَا لَمْ يَقْرَأْ الْقُرَّاءُ هُنَا وَأَيْدِيَكُمْ كَمَا قَرَءُوا هُنَاكَ وَأَرْجُلَكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: فَامْسَحُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ أَوْ امْسَحُوا بِهَا لَكَانَ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ مِنْ غَيْرِ إيصَالٍ لِلطَّهُورِ إلَى الرَّأْسِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمَّا كَانَتْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إلْصَاقِ الْمَمْسُوحِ بِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى