للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَدْ عَمِلَ بِعِلْمِ لَمْ يَعْمَلْ بِظَنِّ وَلَا شَكٍّ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يُوقِنُ أَنْ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ. وَاجْتِهَادُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَالْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ حَكَمَ بِعِلْمِ. لَا بِظَنِّ وَجَهْلٍ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ وَهُوَ شَهَادَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} . وَإِذَا كَانَ لَدَيْك مَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّكِّ لَمْ يُرِدْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ} بَلْ أَكْثَرُ الْخَلْقِ لَا يَجْزِمُونَ جَزْمًا يَقِينِيًّا لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ بِعَدِّ لِكُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وَلَكِنْ يَعْتَقِدُونَ عَدَدَ الصَّلَاةِ اعْتِقَادًا رَاجِحًا وَهَذَا لَيْسَ بِشَكِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ} إنَّمَا هُوَ حَالُ مَنْ لَيْسَ لَهُ اعْتِقَادٌ رَاجِحٌ وَظَنٌّ غَالِبٌ فَهَذَا إذَا تَحَرَّى وَارْتَأَى وَتَأَمَّلَ فَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ رُجْحَانُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَبْقَ شَاكًّا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ كَانَ شَاكًّا قَبْلَ التَّحَرِّي وَبَعْدَ التَّحَرِّي مَا بَقِيَ شَاكًّا مِثْلَ سَائِرِ مَوَاضِعِ التَّحَرِّي كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْقِبْلَةِ فَتَحَرَّى حَتَّى تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْجِهَاتِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَاكًّا. وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ الْمُجْتَهِدُ وَالنَّاسِي إذَا ذَكَرَ وَغَيْرُ ذَلِكَ.