للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسُّنَّةُ فِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ نَظِيرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الدَّفْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ الْمُنَافِقِينَ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَكَانَ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُقَامُ عَلَى قُبُورِهِمْ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: {السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين. نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ؛ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ؛ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ} . وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ كَانَ التَّعْظِيمُ لِلْقُبُورِ بِالْعِبَادَةِ وَنَحْوِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَانَتْ هَذِهِ أَسْمَاءَ قَوْمٍ صَالِحِينَ؛ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ وَعَبَدُوهَا. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِحُجْرَتِهِ وَلَا يُقَبِّلُهَا لِأَنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَرْكَانِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَلَا يُشَبَّهُ بَيْتُ الْمَخْلُوقِ بِبَيْتِ الْخَالِقِ. وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ وَالِاجْتِمَاعُ لِلْعِبَادَاتِ إنَّمَا تُقْصَدُ فِي بُيُوتِ اللَّهِ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. فَلَا تُقْصَدُ بُيُوتُ الْمَخْلُوقِينَ فَتُتَّخَذُ عِيدًا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا} كُلُّ هَذَا لِتَحْقِيقِ