للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ مُخَالَفَةَ الْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ الْإِيمَانِ النَّصَّ إنَّمَا يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ مَا عَارَضَهُ لَكِنْ هُوَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ السُّنَّةِ وَعَظُمَ أَمْرُهُ يَقَعُ بِتَفْرِيطِ مِنْ الْمُخَالِفِ وَعُدْوَانٍ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الذَّمِّ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فِي النَّصِّ الْخَفِيِّ وَكَذَلِكَ فِيمَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ؛ يَعْظُمُ فِيهِ أَمْرُ الْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ. وَلِهَذَا اهْتَمَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ بِأَمْرِ الْإِسْلَامِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ حَتَّى صَارُوا يَلْعَنُونَ الرَّافِضَةَ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرَهُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ؛ حَتَّى لَعَنُوا كُلَّ طَائِفَةٍ رَأَوْا فِيهَا بِدْعَةً. فَلَعَنُوا الْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةَ: كَمَا كَانَ فِي مَمْلَكَةِ الْأَمِيرِ " مَحْمُودِ بْنِ سبكتكين " وَفِي دَوْلَةِ السَّلَاجِقَةِ ابْتِدَاءً وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ؛ رُبَّمَا اهْتَمَّ بِذَلِكَ وَاسْتَشَارَ الْمُعْتَزِلَةَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَرَفَعُوا إلَيْهِ أَمْرَ الْقَاضِي " أَبِي بَكْرٍ " وَنَحْوِهِ وَهَمُّوا بِهِ حَتَّى كَانَ يَخْتَفِي وَإِنَّمَا تَسَتَّرَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمُوَافَقَتِهِ ثُمَّ وَلَّى النِّظَامُ وَسَعَوْا فِي رَفْعِ اللَّعْنَةِ وَاسْتَفْتَوْا مَنْ اسْتَفْتَوْهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ كالدامغاني الْحَنَفِيِّ وَأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَفَتْوَاهُمَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بِخُرَاسَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَبَا إسْحَاقَ اسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ فَأَلْزَمُوهُ وَأَفْتَوْا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنَتُهُمْ وَيُعَزَّرُ مَنْ يَلْعَنُهُمْ وَعَلَّلَ الدامغاني: بِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَّلَ أَبُو إسْحَاقَ - مَعَ ذَلِكَ -: بِأَنَّ لَهُمْ ذَبًّا وَرَدًّا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْمُفْتِيَ أَنْ يُعَلِّلَ رَفْعَ الذَّمِّ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. [وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَتْوَى طَوِيلَةً فِيهَا أَشْيَاءُ حَسَنَةٌ قَدْ سُئِلَ بِهَا عَنْ مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ قَالَ فِيهَا] (*):


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٨):
ذكر بعض أهل العلم أن الفقيه أبا محمد هنا هو (أبو محمد الجويني) والد إمام الحرمين، وذكر آخرون - منهم محقق (نقض المنطق) المفرد ص ١٤ - أنه العز بن عبد السلام، وهو الصواب لثلاثة أمور:
الأول: أن الشيخ يكنى ابن عبد السلام - رحمهما الله - كثيرا ويصفه بالفقيه وقد ذكره في هذه الرسالة (٤/ ٦٥) فقال (كان الفقيه أبو محمد بن عبد السلام)، وقال في موضع آخر (٢/ ١٣١) (وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام. . . فكفره الفقيه أبو محمد)، وغيرها.
والثاني: أن الشيخ رحمه الله ذكر في هذه الرسالة قوله (٤/ ٨٨): (ولطريقة أبي المعالي كان أبو محمد يتبعه في فقهه. . .)، وأبو محمد الجويني هو والد أبي المعالي.
والثالث: أن أبا محمد الجويني يختلف عن أبي محمد بن عبد السلام رحمهما الله في التعصب للأشعرية كما يظهر من ترجمتهما معتقدهما.