للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ كَلَامَهُمْ تَضَمَّنَ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُفْتِي هُوَ قَوْلُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَحِينَئِذٍ فَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَلَا يَحْكُمُ فِيهِ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ سُنَّةُ نَبِيِّهِ وَهَؤُلَاءِ حَكَمُوا فِيمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ. وَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا لَوْ كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ قَوْلَ بَعْضِهِمْ فَكَيْفَ وَهُوَ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمَا. وَالْقَوْلُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ وَلَا الصِّغَارِ.

الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُفْتِيَ أَفْتَى بِالْخَطَإِ فَالْعُقُوبَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُبَيِّنَ دِلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خَطَئِهِ وَيُجَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ وَالْجَوَابِ عَنْ الْمُعَارِضِ؛ وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا حُجَّةٌ وَمَعَ هَذَا حُجَّةٌ لَمْ يَجُزْ تَعْيِينُ الصَّوَابِ مَعَ أَحَدِهِمَا إلَّا بِمُرَجِّحِ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْطِئًا لَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ هُوَ الْمُصِيبَ وَهُمْ الْمُخْطِئُونَ فَحُكْمُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْحُكَّامِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.

الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا تَبَيَّنَتْ لَهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ أُسْوَةُ أَمْثَالِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ قَوْلًا مَرْجُوحًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَةَ وَالْحَبْسَ وَالْمَنْعَ عَنْ