للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحْوَالِ صَاحِبِهِ: أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ. وَلِهَذَا تَجِدُ غَالِبَ حُجَجِهِمْ تَتَكَافَأُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقْدَحُ فِي أَدِلَّةِ الْآخَرِ.

وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ - مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَأَعْلَمِهِمْ بِذَلِكَ - صَنَّفَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ كِتَابًا فِي تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ يَعْنِي أَدِلَّةَ عِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ صِنَاعَتُهُ الَّتِي يُحْسِنُ الْكَلَامَ فِيهَا وَمَا زَالَ أَئِمَّتُهُمْ يُخْبِرُونَ بِعَدَمِ الْأَدِلَّةِ وَالْهَدْيِ فِي طَرِيقِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ " أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ أَهْلُ الْكَلَامِ ". وَهَذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ - بَابِ الْحِيرَةِ وَالشَّكِّ وَالِاضْطِرَابِ - لَكِنْ هُوَ مُسْرِفٌ فِي هَذَا الْبَابِ؛ بِحَيْثُ لَهُ نَهْمَةٌ فِي التَّشْكِيكِ دُونَ التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يُحَقِّقُ شَيْئًا وَيَثْبُتُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْحَقِّ لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَثْبُتُ عَلَى بَاطِلٍ مَحْضٍ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَوْعٍ مِنْ الْحَقِّ. وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَبْرَعِهِمْ فِي الْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ: ابْنُ وَاصِلٍ الحموي كَانَ يَقُولُ: " أَسْتَلْقِي عَلَى قَفَايَ وَأَضَعُ الْمِلْحَفَةَ عَلَى نِصْفِ وَجْهِي ثُمَّ أَذْكُرُ الْمَقَالَاتِ وَحُجَجَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَاعْتِرَاضَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي شَيْءٌ " وَلِهَذَا أَنْشَدَ الخطابي:

حُجَجٌ تَهَافَتْ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا … حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُ حُجَجِهِمْ فَأَيُّ لَغْوٍ بَاطِلٍ وَحَشْوٍ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا؟