للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ. وَمِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَطْحَنُ لَهُمْ وَمَنْ يَخْبِزُ لَهُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ فِي الْبُيُوتِ؛ كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَنْ يَطْحَنُ وَيَخْبِزُ بِكِرَاءِ وَلَا مَنْ يَبِيعُ طَحِينًا وَلَا خُبْزًا بَلْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الْحَبَّ وَيَطْحَنُونَهُ وَيَخْبِزُونَهُ فِي بُيُوتِهِمْ؛ فَلَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّسْعِيرِ وَكَانَ مَنْ قَدِمَ بِالْحَبِّ بَاعَهُ فَيَشْتَرِيهِ النَّاسُ مِنْ الْجَالِبِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ} " وَقَالَ: " {لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ} " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَمَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ} " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا طَحَّانٌ وَلَا خَبَّازٌ؛ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَتَحُوا الْبِلَادَ كَانَ الْفَلَّاحُونَ كُلُّهُمْ كُفَّارًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْجِهَادِ. وَلِهَذَا لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَعْطَاهَا لِلْيَهُودِ يَعْمَلُونَهَا فِلَاحَةً؛ لِعَجْزِ الصَّحَابَةِ عَنْ فِلَاحَتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهَا وَكَانَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا أَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَكَانُوا نَحْوَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَانْضَمَّ إلَيْهِمْ أَهْلُ سَفِينَةِ جَعْفَرٍ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ أَرْضَ خَيْبَرَ فَلَوْ أَقَامَ