للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدَّاعِي إلَى بِدْعَةٍ وَالْمُظْهِرُ لِلْمُنْكَرِ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ الْمُنَافِقُ الْمُسْتَسِرُّ بِنِفَاقِهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِلْغَيْرِ. فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ فِي الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَفِي الْفَاسِقِ وَالْعَدْلِ وَفِي الْمُنَافِقِ وَالْمُؤْمِنِ الْمُظْهِرِ لِبِدْعَةِ أَوْ ذَنَبٍ. وَبَيَّنْت سَبَبَ ذَلِكَ؛ أَنَّ عُقُوبَةَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَابِ دَفْعِ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ عَنْ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْ إلَّا نَفْسَهُ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ إلَى رَبِّهِ. " وَجِمَاعُ الْأَمْرِ " أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا ظُلْمٌ: فَإِمَّا ظُلْمُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ ظُلْمُهُ مَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ؛ فَمَا كَانَ مِنْ ظُلْمِ الْغَيْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْرَعَ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ظُلْمَ الظَّالِمِ عَنْ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} فَجَعَلَ السَّبَبَ الْمُبِيحَ لِعُقُوبَةِ الْغَيْرِ الَّتِي هِيَ قِتَالُهُ: {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} . وَقَالَ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} فَبَيَّنَ أَنَّ الظَّالِمَ يُعْتَدَى عَلَيْهِ: أَيْ بِتَجَاوُزِ. الْحَدِّ الْمُطْلَقِ فِي حَقِّهِ؛ وَهُوَ الْعُقُوبَةُ وَهَذَا عُدْوَانٌ جَائِزٌ كَمَا قَالَ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} . وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُدْوَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عُدْوَانًا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ كَمَا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} . لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعُدْوَانَ الْمُطْلَقَ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمُطْلَقِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ إلَّا إذَا اعْتَدَى فَيَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِي حَقِّهِ بِقَدْرِ تَجَاوُزِهِ.