للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي يُرَادُ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ: " التَّفْسِيرُ " وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ - إمَامُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إنَّ " الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ " يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَفْسِيرَهُ وَبَيَانَ مَعَانِيهِ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ.

وَالثَّالِثُ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ " التَّأْوِيلِ ": صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِدَلِيلِ مُنْفَصِلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَكُونُ إلَّا مُخَالِفًا لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَيُبَيِّنُهُ. وَتَسْمِيَةُ هَذَا تَأْوِيلًا لَمْ يَكُنْ فِي عُرْفِ السَّلَفِ وَإِنَّمَا سَمَّى هَذَا وَحْدَهُ تَأْوِيلًا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخَائِضِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَالْكَلَامِ وَظَنَّ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ} يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ صَارُوا فِي هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى طَرِيقَيْنِ: قَوْمٌ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ.

فَإِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ - أَوْ أَكْثَرِهَا وَعَامَّتِهَا - مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ. وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى ذَمِّهِ وَصَاحُوا بِأَهْلِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَرُمُوا فِي آثَارِهِمْ بِالشُّهُبِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُ: " الرَّدُّ عَلَى