للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

افْتَتَحَ اللَّهُ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا قَوْلَهُ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} ثُمَّ قَالَ: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} . فَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ مَا أَوْحَى إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ - الَّتِي هِيَ سُنَّتُهُ - وَبِأَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ. فَبِالْأَوْلَى يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} . وَبِالثَّانِيَةِ يُحَقِّقُ قَوْلَهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وَقَوْلُهُ: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . وهذا وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ فِي جَمِيعِ الدِّينِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ أَوْكَدُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ؛ وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَأْيِيدِ قَوِيٍّ مِنْ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْجِهَادُ سَنَامَ الْعَمَلِ وَانْتَظَمَ سَنَامُ جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ. فَفِيهِ سَنَامُ الْمَحَبَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} . وَفِيهِ سَنَامُ التَّوَكُّلِ وَسَنَامُ الصَّبْرِ؛ فَإِنَّ الْمُجَاهِدَ أَحْوَجُ النَّاسِ إلَى الصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى