للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَالِكٍ تَجْوِيزُ الْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ: تَارَةً بِالْأَخْذِ. وَتَارَةً بِالْإِتْلَافِ كَمَا يَقُولُهُ أَحْمَد فِي مَتَاعِ الْغَالِّ وَكَمَا يَقُولُهُ أَحْمَد وَمَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَوْعِيَةِ الْخَمْرِ وَمَحَلِّ الْخَمَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ بِإِتْلَافِ بَعْضِ الْأَمْوَالِ أَحْيَانًا كَالْعُقُوبَةِ بِإِتْلَافِ بَعْضِ النُّفُوسِ أَحْيَانًا. وَهَذَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ التَّنْكِيلِ عَلَى الْجَرِيمَةِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَا شُرِعَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي إتْلَافِ النَّفْسِ وَالطَّرْفِ وَكَمَا أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ يَحْرُمُ إلَّا بِنَفْسِ أَوْ فَسَادٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فَكَذَلِكَ إتْلَافُ الْمَالِ إنَّمَا يُبَاحُ قِصَاصًا أَوْ لِإِفْسَادِ مَالِكِهِ كَمَا أَبَحْنَا مِنْ إتْلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَرْبِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُونَ بِنَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَجَوَّزْنَا لِإِفْسَادِ مَالِكِهِ مَا جَوَّزْنَا. وَلِهَذَا لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ قَالَ: إنَّ الْأَمْوَالَ الْمُحْتَرَمَةَ الْمَجْهُولَةَ الْمَالِكُ تُتْلَفُ وَإِنَّمَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ الغالطين مِنْ الْمُتَوَرِّعَةِ: أَنَّهُ أَلْقَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي الْبَرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ تَجِدُ مِنْهُمْ حُسْنَ الْقَصْدِ وَصِدْقَ الْوَرَعِ؛ لَا صَوَابَ الْعَمَلِ. وَإِمَّا حَبْسُهَا دَائِمًا أَبَدًا إلَى غَيْرِ غَايَةٍ مُنْتَظَرَةٍ؛ بَلْ مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا