للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ: أَنَّ الرِّبَا أَصْلُهُ إنَّمَا يَتَعَامَلُ بِهِ الْمُحْتَاجُ وَإِلَّا فَالْمُوسِرُ لَا يَأْخُذُ أَلْفًا حَالَّةً بِأَلْفِ وَمِائَتَيْنِ مُؤَجَّلَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ لِتِلْكَ الْأَلْفِ. وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْمَالَ بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةً إلَى أَجَلٍ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَتَقَعُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ ظُلْمًا لِلْمُحْتَاجِ بِخِلَافِ الْمَيْسِرِ، فَإِنَّ الْمَظْلُومَ فِيهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ وَلَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَقْدِ. وَقَدْ تَخْلُو بَعْضُ صُوَرِهِ عَنْ الظُّلْمِ إذَا وُجِدَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ظَنَّاهَا وَالرِّبَا فِيهِ ظُلْمٌ مُحَقَّقٌ لِلْمُحْتَاجِ، وَلِهَذَا كَانَ ضِدَّ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعْ الْأَغْنِيَاءَ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إعْطَاءَ الْفُقَرَاءِ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِذَا أَرْبَى مَعَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَمَنَعَهُ دَيْنَهُ وَظَلَمَهُ زِيَادَةً أُخْرَى وَالْغَرِيمُ مُحْتَاجٌ إلَى دَيْنِهِ. فَهَذَا مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ؛ وَلِعَظَمَتِهِ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَهُ وَهُوَ الْآخِذُ وَمُوكِلَهُ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ الْمُعْطَى لِلزِّيَادَةِ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ لِإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ مِمَّا يَخْفَى فِيهَا الْفَسَادُ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْفَسَادِ الْمُحَقَّقِ - كَمَا حَرَّمَ قَلِيلَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا - مِثْلُ رِبَا الْفَضْلِ؛ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ قَدْ تَخْفَى إذْ الْعَاقِلُ لَا يَبِيعُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ؛ إلَّا لِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ. مِثْلَ: كَوْنِ الدِّرْهَم صَحِيحًا، وَالدِّرْهَمَيْنِ مَكْسُورَيْنِ أَوْ كَوْنِ الدِّرْهَمِ مَصُوغًا أَوْ مِنْ نَقْدٍ نَافِقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ خَفِيَتْ حِكْمَةُ تَحْرِيمِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ