للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ اخْتِلَافُ مَقَالَتَيْنِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. فَإِذَا كَانَ فِي وَقْتٍ قَدْ قَالَ: إنَّ هَذَا حَرَامٌ. وَقَالَ فِي وَقْتٍ آخَرَ فِيهِ أَوْ فِي مِثْلِهِ: إنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامِ أَوْ قَالَ مَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامِ - فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلَاهُ وَهُوَ مُصِيبٌ فِي كِلَيْهِمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي الْبَاطِنِ حُكْمٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِ غَيْرَ مَا اعْتَقَدَهُ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ لِلَّهِ حُكْمًا فِي الْبَاطِنِ عَلِمَهُ الْعَالِمُ فِي إحْدَى الْمَقَالَتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فِي الْمَقَالَةِ الَّتِي تُنَاقِضُهَا وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ مَعَ اجْتِهَادِهِ مَغْفُورٌ لَهُ مَعَ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِهِ لِلْحَقِّ وَاجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِهِ. وَلِهَذَا يُشَبِّهُ بَعْضُهُمْ تَعَارُضَ الِاجْتِهَادَاتِ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ثَابِتٌ بِخِطَابِ حُكْمِ اللَّهِ: بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ بِخِلَافِ أَحَدِ قَوْلَيْ الْعَالِمِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ. هَذَا فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فِيمَا يَقُولُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَقْوَاهُ وَسُلُوكِهِ الطَّرِيقَ الرَّاشِدَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْخُصُومَاتِ: فَهُمْ مَذْمُومُونَ فِي مُنَاقَضَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا حُسْنِ قَصْدٍ لِمَا يَجِبُ قَصْدُهُ. وَعَلَى هَذَا فَلَازِمُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ نَوْعَانِ: