للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ مَصْلَحَةَ بَنِي آدَمَ لَا تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ. مَعَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً صَرِيحَةً بِأَنَّ الْمَبِيعَ التَّالِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ إلَّا حَدِيثَ الْجَوَائِحِ هَذَا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ لَكَانَ الِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ يُوَافِقُهُ وَهُوَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟} فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّمَرَةِ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جِذَاذِهَا عِنْدَ كَمَالِهَا وَنُضْجِهَا لَا عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَتَلَفُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْجِذَاذِ كَتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ بِالِاتِّفَاقِ. فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْإِبْقَاءَ. وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَقُولُ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَسَنَذْكُرُ أَصْلَهُ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَا تَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ} وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمِ عَنْهُ: " {نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ: نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ} وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُحْرَزَ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ} .