للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُنَاظَرَةُ وَالْمُحَاجَّةُ لَا تَنْفَعُ إلَّا مَعَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَإِلَّا فَالظَّالِمُ يَجْحَدُ الْحَقَّ الَّذِي يَعْلَمُهُ: وَهُوَ الْمُسَفْسِطُ وَالْمُقَرْمِطُ أَوْ يَمْتَنِعُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ: وَهُوَ الْمُعْرِضُ عَنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. فَكَمَا أَنَّ الْإِحْسَاسَ الظَّاهِرَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُعْرِضِ وَلَا يَقُومُ لِلْجَاحِدِ فَكَذَلِكَ الشُّهُودُ الْبَاطِنُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُعْرِضِ عَنْ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ. بَلْ طَالِبُ الْعِلْمِ يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِهِ مِنْ طُرُقِهِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ مُجْتَهِدًا كَمَا يُسَمَّى الْمُجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا مُجْتَهِدًا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " مَا الْمُجْتَهِدُ فِيكُمْ إلَّا كَاللَّاعِبِ فِيهِمْ " وَقَالَ أبي بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: " اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَيُرْوَى مَرْفُوعًا وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ مُعَاذٍ: {عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ. فَإِنَّ تَعْلِيمَهُ حَسَنَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ} فَجُعِلَ الْبَاحِثُ عَنْ الْعِلْمِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْمُحَاجَّةُ لَا تَنْفَعُ إلَّا مَعَ الْعَدْلِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} فَالظَّالِمُ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُجَادِلَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَإِذَا حَصَلَ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا عِنْدَهُمْ بِلُغَتِهِمْ وَتَرْجَمُوا لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ انْتَفَعَ بِذَلِكَ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ